هذه المقالة تعقيب على المقالات التي كتبتها الزميلة الشاعرة المبدعة د. نجمة إدريس عن مأزق المرأة الشاعرة منذ البداية وإلى الآن، هذه المقالات ربما تكون أجزاء من دراسة لها في هذا الموضوع المهم والذي سلطت عليه الضوء منذ البدايات الأولى في الكتابات الشعرية النسوية.

Ad

وتأتي أهميتها من وعي كاتبتها الشاعرة والأستاذة في الجامعة. المادة ليست بعيدة عن مجال تدريسها، لذا استمدت هذه المقالات وعيا وفهما خاصا آتيا من تجربة عميقة ملمة في كافة تفاصيل الإبداع الشعري للمرأة الشاعرة منذ بداياتها الشعرية المتشبهة بالكتابة الشعرية التابعة للثقافة الذكورية، ولغاية خطابها الشعري الجديد تكريس النسوية.

هذه المقالات ألقت ضوءاً آتياً من تجربة الشاعرة ذاتها وإحساسها في مأزقها الشعري الذي كان من الممكن أن تكون تجربتها أكبر وأكثر إفصاحا لولا احترامها لتقاليد المجتمع وقيوده، وهذا الشعور وصلني من قراءة شعرها الرائع، ومن معايشتي لذات التجربة، وهو ما كتبته في المقال رقم 1 الذي يشير إلى هذا المعنى"أنه لتفادي الكشف عن مشاعر وأحاسيس الذات خوفا من غضب وقيود المجتمع والتابوهات المحرمة جاء شعر المرأة بما يتناسب معه".

لذا جاءت الكتابات الشعرية للمرأة تشابه الكتابة الشعرية للرجل في البدايات، حيث كانت ثقافة الذكورة هي المثال السائد، وبهذا التمثل أُقصيت المرأة من خصوصية تعبيرها وكتابتها، وفُصلت عن صوتها الحقيقي الآتي من طبيعتها الحسية، وتمثلت في الشكل الذهني للرجل الذي يفرضه واقع ثقافة الذكورة، وبالتالي تم الإقصاء اللغوي للمرأة، وتم تجاهل شعرها.

وبينت د. نجمة "أن عمود الشعر العربي قنن بإحكام على مقياس فحولة الرجل ودوره الاجتماعي وقيمه القبلية ولغته".

سلسلة المقالات هذه تبين مسار المرأة الشاعرة منذ بداياتها في العصر الجاهلي المتمثل بشعر الرثاء وإلى يومنا هذا الذي امتلكت فيه المرأة صوتها الشعري النسوي الخاص. مسار طويل وعبور صعب لنيل حرية التعبير وامتلاك فرادته.

لكن هل المرأة الشاعرة وحدها التي عانت أعراف وتقاليد وأحكام القبيلة والمجتمع التي أقصتها من صوتها الخاص وتم ركنها في النسيان والتجاهل، أم أن جميع النساء المبدعات قد أُقصين بتعمد وبإبعاد تام عن جميع الأنشطة الإبداعية بمختلف تخصصاتها وفروعها؟

أظن أن جميع النساء المبدعات في البدايات الأولى لخط السير الإبداعي لهن قد تم تجاهلهن وإقصاؤهن من المشهد الإبداعي المشارك للرجل، ففي كل مجال إبداعي نجد أن البدايات وما تلاها من الصعود في مشوار الإبداع الأدبي أو الفني أو حتى المهني، كان التسيد فيه خاصا بالرجل واحتكار له، من الكتابة بكل أشكالها الشعرية والروائية والمسرحية والصحافية، ففي كل هذه المجالات كان الرجل فيها السيد الأوحد والمثال والنموذج المفروض والسائد، حتى علا صوت المرأة بعد جهاد ومعارك كثيرة لفرض صوتها وتواجدها الإبداعي الخاص، ففي المسرح مثلا بقي الرجال مدة طويلة يؤدون الدور النسائي في المشهد المسرحي، وفي الكتابة الصحفية سيطر عليها الشكل الذكوري في نهج الكتابة، وربما حتى يومنا هذا مازال هذا النمط من الكتابة يرسخ في وجدان بعض الصحفيات، لدرجة تجعل القارئ لا يفرق ولا يميز بين الصوت الذكوري والأنثوي لتماثل أسلوب الكتابة، كما أن هذا التماثل ينعكس على أسلوب بعض من الروائيات، بحيث لو طُمس الاسم لن يعرف جنس من كتبها، وهذا يعود إلى هيمنة وسطوة النموذج الذكوري.

وفي مجال الفنون التشكيلية من نحت وتصوير ورسم، من الصعب وجود أعمال للمرأة الرسامة أو النحاتة أو المصورة، فهذه المجالات كانت حكرا على الرجل ومغلقة في وجه المرأة، ويعود ذلك لأسباب كثيرة، منها ما جاء ذكره بخصوص المرأة الشاعرة، وبعضها خاص في التكوين البدني للمرأة ومشاق النحت في الصخر، وأيضا الأعراف والقيود الاجتماعية كلها أبعدت المرأة وعزلتها عن امتهان النحت والرسم والتصوير، ومن الصعب أن توجد أعمال  تشكيلية لهن في بدايات القرن الماضي أو ما قبله، حتى في المتاحف العالمية من النادر وجود مشاركة لهن فيها، فما بالك في العالم العربي في ذلك الوقت الذي لو وجدت فيه رسامة فستكون نساجة على الغالب.

لهذا أظن أن المرأة الرسامة أكثر من وقع عليها الإقصاء والتجاهل والإبعاد.