تمر ثورات الربيع العربي، التي لما تستكمل تحقيق أهدافها بعد، بمرحلة انتقالية غير مستقرة وصعبة للغاية فيها الكثير من العراقيل والتحديات الضخمة التي ربما تتسبب في حدوث بعض الانتكاسات المؤقتة لا سيما أن الثورات قد قامت بعد عقود طويلة من الاستبداد والتسلط والقمع والتدمير المُمنهج للبنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو الأمر الذي شوّه عملية تطور مجتمعاتنا اجتماعياً وثقافياً، وفتح الباب واسعاً لبروز قوى سياسية أصبح لها امتداد جماهيري، لكنها ليست قوى مدنية تؤمن بقيم الديمقراطية والحريات والتسامح والمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، بل إن بعضها يعلن جهاراً نهاراً معاداته للحضارة الحديثة وعدم اعترافه بالتقدم الحضاري الذي وصلت إليه البشرية.

Ad

ورغم ضبابية الوضع الحالي وتعقيداته فإن الشعوب العربية التي ثارت، ولا تزال تثور على الطغيان والاستبداد والقمع والظلم الاجتماعي، ستكون قادرة على تصحيح مسار ثوراتها من أجل تحقيق أهدافها، كما فعل الشعب المصري العظيم في الموجة الثانية من الثورة بتاريخ 30 يونيو بعد فشل نظام حكم الإخوان في إدارة المرحلة الانتقالية، وانحرافه عن تحقيق أهداف ثورة 25 يناير.

صحيح أن الشعب المصري يواجه حاليا تحديات صعبة للغاية، لكننا على ثقة تامة بأنه سيتجاوزها مهما كان حجم التضحيات البشرية والمادية التي سيقدمها، ولن يسمح بعودة أنظمة الاستبداد والقمع بأي شكل كان، أو بالدكتاتورية العسكرية كما تطمح بعض القوى الداخلية والخارجية، وذلك على الرغم من تشابك الأجندات الإقليمية والدولية التي ليس من مصلحتها نجاح الثورة الشعبية في مصر أو في سواها من الدول العربية من ناحية، وصعوبة الوضع السياسي الداخلي من ناحية أخرى لا سيما بعد سقوط ضحايا أبرياء يتحمل المسؤولية الكبرى عنهم النظام الحالي.

صعوبة المرحلة الانتقالية التي تلت قيام ثورتي تونس ومصر ووجود تحديات ضخمة ومعقدة أمام القوى الثورية يجب ألا يفقدانا الثقة بقدرة الشعوب العربية على استكمال ثوراتها وتغيير أنظمة الاستبداد والظلم والقمع.

فما حصل حتى الآن سواء في مصر أو تونس لم يمس النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي كان قائماً لعقود طويلة قبل الثورتين، وهذا هو التحدي الكبير القادم الذي يواجه القوى الثورية في كلا البلدين، والذي لن يتحقق من دون تضحيات نتمنى أن تكون في حدها الأدنى، حيث من المرجح جدا أن يكون في الطريق موجات ثورية جديدة على غرار موجة 30 يونيو في مصر، فقوى الثورة المضادة لا تزال قوية ومدعومة إقليمياً ودولياً.