{هَرَجَ القومُ} في اللغة العربية أي وقعوا في فتنةٍ واختلاط وفوضى بينما يعني «الْمَرَجُ»: الاضْطِرَابُ وَالفَوْضَى... وهذا تحديداً ما كانت تُشير إليه المخرجة الشابة نادين خان في أول أفلامها الروائية الطويلة «هَرَجَ وْمَرَجُ»، الذي عُرض للمرة الأولى في الدورة التاسعة لمهرجان «دبي» السينمائي الدولي، وفاز بجائزة لجنة تحكيم مسابقة «المهر العربي للأفلام الروائية الطويلة»، ويُعرض هذه الأيام في صالات العرض التجارية في مصر.

Ad

استوحت نادين، التي تخرجت في قسم الإخراج في المعهد العالي للسينما عام 2001، بذرة قصة الفيلم عندما كانت تعمل كمساعدة للمخرج يسري نصر الله أثناء تصوير فيلم «باب الشمس» في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وهناك وجدت مجتمعاً منعزلاً ولكن أهله يعرفون بعضهم البعض، ويتعايشون وكأنهم «دولة» قائمة بذاتها. حينها، تولدت فكرة «هَرَجَ وْمَرَجُ»، الذي بدأت كتابة متن السيناريو الخاص به في لوكارنو 2007، الذي منحها منحة تطوير سيناريو، وعقب عودتها إلى القاهرة أسندت مهمة كتابة السيناريو والحوار إلى محمد ناصر.

وقتها تصورت «نادين خان» أنها تصنع فيلماً اجتماعياً لا علاقة له بالسياسة ولكن الرقابة على المصنفات الفنية، قبل قيام ثورة 25 يناير في مصر، كان لها رأي آخر؛ إذ رفضت السيناريو من دون إبداء الأسباب، وبعد الثورة أعادت المخرجة تقديمه إلى الرقابة فوافقت فوراً!

في فيلم «هَرَجَ وْمَرَجُ» مجتمع يعيش على المساعدات الخارجية التي تمده بها قوى غامضة ومجهولة، عبر العربات المُحملة باللحوم والخضراوات والغاز المعبأ في أنابيب بالإضافة إلى السلع غير الأساسية مثل: المرطبات والحلويات، بينما تتولى إذاعة محلية، يمكن تفسيرها بأنها معادل الآلة الإعلامية، الوصف التفصيلي بالصوت فقط (سيد رجب) لما يجري على أرض الواقع، الذي يعاني شبابه البطالة، ويستثمر «كبيره» الحاج سيد (صبري عبد المنعم) مباريات كرة القدم للتربح، والإمساك بمقاليد الأمور، ويحرص على إخفاء عالمه السري القذر، الذي يمارس فيه علاقة جنسية مع امرأة ناضجة يشتري صمت زوجها بالمخدرات، بينما يهيمن على الجيل الجديد من خلال بث الفتنة وإثارة الغيرة وتأجيج الصراع، بين الشابين «منير» (رمزي لينر) و{زكي» (محمد فراج) على الفوز بابنته «منال» (أيتن عامر) بينما تتحول الساحة الرئيسة إلى حياة ينطبق عليها ما قاله يوسف وهبي، مع بعض التعديل، لتصبح: «ما الدنيا إلا ملعب كبير»؛ فعلى أرضها يحتدم الصراع على الفوز بنصيب في «المساعدات»، التي تتدخل فيها الوساطة والمحسوبية، والفوز بنتيجة المباريات، التي تجري في جو أقرب إلى تلك التي تحكمها المؤامرات والمراهنات... وهناك أيضاً الصراع بين الخير والشر!

إنه الزمن الخاص بمجتمع معزول يعيش قانونه، ويتعايش مع واقعه، ويتكيف مع مشاكله، لكنه في النهاية مُحب للحياة، بحلوها ومرها، المتمثل في الموت الذي يخطف مدرب الكرة، والابتزاز، تهديد الكبير بالفضيحة عقب سرقة هاتفه النقال، والمقايضة، الفوز بالمباراة والفتاة أو التشهير، ومع نهاية المباراة التي تشهد فوز الفريق الذي يقوده «منير» وزواجه من «منال» وخسارة «زكي» المباراة والفتاة وكذلك صديقه المدرب تتعدد التفسيرات والقراءات في الفيلم، الذي اتخذ لنفسه شكلاً مختلفاً عن النمط السائد في السينما المصرية، وربما العربية، سواء في «اللوكيشن» (ديكور كامل على أرض زراعية على مقربة من قرية المنصورية جنوب العاصمة المصرية) أو الأحداث التي تجري في اللازمان واللامكان. ومن ثم كانت النتيجة مُبهرة على صعيد الشكل الفني، صورة وإضاءة عبد السلام موسى وديكور عاصم علي، بينما لم ينجح الأداء التمثيلي في الوصول إلى «السهل الممتنع» الذي كان مطلوباً في هذه النوعية، باستثناء أسامة أبوالعطا في دور «توك توك»، بعد اعتياده القيام بدور المُنقذ في الأفلام التي كان يعمل فيها كمساعد مخرج؛ مثلما فعل في فيلم «جعلتني مجرماً، كذلك هاني المتناوي (المدرب) بعد إطلالته العابرة من خلال دور مرشح مجلس الشعب في فيلم «عين شمس».

رفضت المخرجة نادين خان أن تًصبح نسخة من أبيها المخرج محمد خان، واختارت، ولها مُطلق الحق والحرية، أن تكون نفسها، ونجحت في تقديم فيلم مختلف بفضل الفكرة والأسلوب وسيناريو وحوار محمد ناصر ومونتاج دينا فاروق، التي تستحق التحية لتحملها عبء إنتاج الفيلم في هذه الظروف، والاستعانة بموسيقى تعمد واضعها (حسن خان) ألا تخرج عن آلة البيانو التي ينظر إليها البعض بوصفها آلة النخبة، ونجح في أن يجعلها صوت العامة والدهماء!