غياب الثقافة عن الانتخابات!

نشر في 16-07-2013
آخر تحديث 16-07-2013 | 00:01
 طالب الرفاعي في سؤالي لأحد المرشحين لانتخابات مجلس الأمة المقبلة التي ستجري بتاريخ 27 يوليو الجاري، عما يتضمنه برنامجه الانتخابي من نواح ثقافية، نظر إليَّ وشيء أشبه بالابتسام يعلو وجهه، وقال: سأحرص على أن يتضمن برنامجي فقرة تدعو إلى ضرورة "دعم الثقافة والمثقفين". وما لبث أن لوّن الجد نبرته: "الثقافة لا وجود لها في برامج المرشحين، ولا في نقاشات مجلس الأمة". ولأني رحت أتطلع إليه، أكمل: "المواطن يهتم بأمور كثيرة ليس من بينها الثقافة".

وكما لو أنه استكثر عليَّ سؤالي ونظرتي اللائمة سألني: "أي ثقافة وفن في زمن الفساد والحروب المشتعلة؟"، ويختم حديثه بالقول: "أهم ما في برنامجي أنني محب مخلص للكويت، وأنني سأبذل أقصى جهدي لدعم مشاريع التنمية والوقوف في وجه الفساد والمفسدين". ولأنني أعرف مقدار صدقة، ودعته قائلاً: "شكراً لصراحتك".

آلمني ما قاله المرشح، لكني حين نظرت من حولي آلمني الوضع أكثر. فلا أظن أن أقطار الوطن العربي عاشت فترة زلزال كما هي الآن، منذ اندلعت ثورات ما بات يُعرف بالربيع العربي. فحتى في بدايات القرن العشرين، حين كانت الشعوب العربية تناضل بشراسة من أجل طرد المستعمر، كان أبناء البلد الواحد على قلب رجل واحد، وكانت الحرب كل الحرب موجّهة ضد المستعمر الغريب. لكن الحرب اليوم صارت بين أبناء الشعب الواحد، ومتى ما قرعت طبول الحرب المجنونة غاب صوت العقل!

لقد كانت الثقافة على الدوام مدماكاً مهماً وأساسياً تستند الكويت إليه، وليس أدل على ذلك من فترة الاحتلال الصدامي الغاشم عام 1990، في تلك الفترة هبَّ مفكرو ومبدعو ومثقفو الوطن العربي الأحرار للوقوف إلى جانب الحق الكويتي، وكان دافعهم من وراء ذلك هو إيمانهم العميق بالحق الكويتي، وبالدور الثقافي والإبداعي الكبير الذي لعبته الكويت عربياً وبامتياز منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي!

لم تحظ الكويت بمكانتها وسمعتها الثقافية العربية دون ثمن، فمنذ بدء المواسم الثقافية في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، بدأت الكويت تستقطب خيرة المفكرين والمبدعين والمثقفين العرب، وأصبحت ساحتها مكاناً لتلاقح الأفكار، وتربت أجيال من طلاب المدارس الكويتية، وهو يعايشون مقولة "الكويت بلاد العرب".

ومع صدور العدد الأول من مجلة العربي في ديسمبر 1958، وتالياً سلاسل من "المسرح العالمي"، و"عالم المعرفة" و"عالم الفكر" صار الإصدار الكويتي يصل إلى كل من يقرأ العربية، وبأقل الأثمان، لأن رجالات الكويت القائمين على الثقافة وقتذاك كانوا يدركون أن جعل الكويت مصدر إشعاع ثقافي عربي، وتصدير الثقافة العربية والعالمية إلى قراء العربية سيكون له مردود كبير ومهم لصالح الكويت.

دارت الحياة دورتها، وتبوأت الكويت مكانة ثقافية وفنية عربية مشهودة، ونهضت على مدى سنوات بالتعاون مع "المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم" بإعداد "الخطة الشاملة للثقافة العربية" لكن الركون إلى أمجاد الماضي لا يكفي، بل ان العمل المستمر والمتجدد وحده كفيل بإبقاء سمعة الكويت الثقافية حاضرة، فالعقود الأخيرة شهدت تقهقراً وانكماشاً ملحوظين في دور الكويت الثقافي العربي، وهذا بشهادة القاصي والداني، وصارت الكويت تفاخر بإبداعات أبنائها في مختلف الأجناس الأدبية، أكثر مما تفتخر بمنجزها الثقافي المؤسساتي!

مخطئ من يعتقد أن أيا من وزارة الإعلام أو المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب أو رابطة الأدباء الكويتيين وحده مسؤول عن تقهقر دور وسمعة الكويت الثقافية، بل ان المسؤولية تقع على الجميع بدءا من المؤسسة التشريعية مروراً بالتنفيذية، وعبوراً على المؤسسات الثقافية والإعلامية الرسمية والأهلية، ويحتاج الأمر إلى خطة مدروسة وجهد مضاعف لإعادة اهتمام المواطن الكويتي بالثقافة، ومن ثم استعادة مكانة الكويت الثقافية المشرّفة.

back to top