في أعقاب الإعلان عن انضمام رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عزت أبو عوف إلى اعتصام المثقفين والفنانين الرابضين أمام مقر وزارة الثقافة في الزمالك، والطلب منهم الاستمرار في التعبير عن غضبهم حتى إقالة وزير الثقافة، الذي اتهم بالسعي إلى {أسلمة الثقافة}، ووصف الاعتصام بأنه يعكس أسلوباً حضارياً في الاحتجاج، أيقنت أنه لن يكون له مكان في دورة المهرجان المقبلة التي تنطلق في نوفمبر المقبل؛ لأن الوزير لن يغفر له موقفه، والحزب الحاكم لن يمرر بسهولة كلامه حول مشروعية فني الباليه والأوبرا، وتأكيده أن {الهوية والثقافة المصرية لن يتغيرا، ولن يستطيع أحد التأثير عليهما}، وقوله بالحرف الواحد: {مر على مصر عبر العصور المختلفة الاستعمار الفرنسي والإنكليزي والهكسوس، ولم يستطع أي منهم التأثير في الهوية المصرية، بل خرجوا يتكلمون العربية}... واختتم بقوله:}إننا مسلمون ولا نريد من أحد أن يذكرنا بديننا وثقافتنا الإسلامية، لأن لدينا احتفالاتنا الدينية مثل الإسراء والمعراج، والمولد النبوي؛ فاتركوا لنا ثقافتنا، واكتفوا بثقافتكم بعيداً عنا}.

Ad

حدث هذا يوم الاثنين الموافق 10 يونيو الماضي، ولم يمض سوى 13 يوماً على الواقعة، وإذا بوزير الثقافة يُصدر قراراً بتولي الناقد السينمائي أمير العمري رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته السادسة والثلاثين، التي تُقام في الفترة من 19 إلى 26 نوفمبر المقبل.

لا ينبغي أن يُفهم من حديثي أنني ضد قرار اختيار الناقد السينمائي أمير العمري للمنصب؛ فهو ناقد كفء يملك من الثقافة والموهبة الكثير، فضلاً عن نشره الكثير من الدراسات والأبحاث والمقالات النقدية، وإصداره ما يقرب من 13 كتاباً في النقد السينمائي، بالإضافة إلى عضوية الكثير من لجان التحكيم الدولية في المهرجانات السينمائية العالمية، وترؤسه مجلس إدارة جمعية نقاد السينما المصريين، ورئاسة تحرير مجلتها النقدية {السينما الجديدة}، التي توقفت عن الصدور بعد مغادرته مجلس الإدارة، وتدشينه الموقع الإلكتروني المتخصص {عين على السينما} عام 2011، وإسهامه في إدارة دورتي 2001 و2012 لمهرجان الإسماعيلية السينمائي للأفلام التسجيلية والقصيرة.

لكنني أتساءل عن ظروف وملابسات قرار الاختيار؛ ففي القراءة الأولى يبدو وكأن القرار استهدف الإطاحة بالفنان عزت أبو عوف بسبب موقفه المناهض لتعيين وزير الثقافة، وانضمامه إلى جماعة المعتصمين، وهي القراءة التي يؤيدها تأكيد {الوزير} في حوار سابق أدلى به لجريدة {التحرير} اليومية المصرية بتاريخ 29 مايو الماضي بأنه سيستعين، بسبب ضيق الوقت، بالإدارة القديمة للمهرجان، وعلى رأسها بالطبع عزت أبو عوف الذي لم يأبه الوزير بمتاعبه الصحية التي تحول دون استمراره في موقعه!

قراءة أخرى لقرار تعيين العمري يفرضها سعي وزير الثقافة إلى تجنب تصعيد الاحتجاج ضده، في حال امتناع المثقفين والفنانين عن قبول منصب رئيس المهرجان، الأمر الذي ينعكس سلباً على إقامة دورة مهرجان القاهرة السينمائي المقبلة، ويُعَرض صفته وسمعته الدولية للخطر، فكان المخرج الوحيد في اختيار ناقد مهاجر اختار عاصمة الضباب لندن مقراً لإقامته، ومن ثم لم يُشارك في الاعتصام أو يوقع أي بيانات ضد الوزير، ومن ثم فهو ليس محسوباً على المعارضين،.لكن الوزير لم يضع في حسبانه أن الأزمة لا تكمن في اسم رئيس المهرجان الجديد، وإنما في احتمالية مقاطعة المثقفين والفنانين للفعاليات، ومنع الوزير من حضور حفلة افتتاح الدورة المقبلة، مثلما حدث في افتتاح الدورة السادسة عشرة لمهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة!

من حق العمري بالطبع أن يوافق على خوض التجربة، ويُعلن بشكل مبدئي أن المهرجان سيشهد اختلافاً عن الدورات السابقة، لكن ما لم أرتح إليه هو قول العمري إن الخطوة؛ سواء اختياره من وزير الثقافة أو موافقته على رئاسة المهرجان، بمثابة {إعلان صريح لانفتاح وزارة الثقافة على الطيف الثقافي المصري والعالمي، ومحاولة منها لاستمرار مهرجان القاهرة السينمائي الدولي كمنصة تعارف على أحدث تجليات الفن السينمائي على المستويات الإقليمية والدولية}؛ فأي انفتاح يتحدث عنه العمري في ظل أزمة محتدمة توقفت خلالها أنشطة وزارة الثقافة، وجسور من الثقة تنهار بين المثقفين المصريين ووزير الثقافة، واعتصام وصل إلى يومه العشرين وقيل إنه لن ينفض إلا بإقالة الوزير من منصبه؟

 الحرص على إقامة دورة مهرجان القاهرة السينمائي المقبلة لا يعني القفز على الأزمة التي تزداد وتيرتها؛ لأن العمري سيجد صعوبة شديدة في إدارة المهرجان في حال استمرت القطيعة، ولم يتم حل الأزمة من جذورها، وربما يجد نفسه طرفاً في معركة تنهال فيها الاتهامات من الجهات كافة.