يتصاعد الدور الذي تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي عبر شبكة "الإنترنت" تصاعداً كبيراً، وقد أخذ هذا الدور في الاتساع ليصبح جزءاً أساسياً من إدارة التفاعل السياسي في بلدان منطقة الشرق الأوسط ومناطق أخرى في العالم.
يرى باحثون كثيرون أن وسائط التواصل الاجتماعي لعبت دوراً جوهرياً في أحداث ما عرف بـ"الربيع العربي" على صعيد بلورة مشاعر الغضب لدى المجموعات الشبابية، ونقل المعلومات والآراء والصور الخاصة بالحراك السياسي، والتحول إلى بنية اتصالية أساسية لتنظيم الاحتجاجات والتظاهرات، ثم العمل كمرصد للانتهاكات والاعتداءات بحق المتظاهرين والمحتجين، وصولاً إلى أنها وسيلة ضغط أساسية في المعركة السياسية عبر تأثيرها الكبير في الرأي العام المحلي والدولي.ويلاحظ آخرون تصاعد دور تلك الوسائط في نقل الرسائل الرسمية من السلطات والفاعلين السياسيين إلى قطاع من المواطنين يتميز بأنه الأكثر معرفة وتعليماً من جهة، والأنشط في ما يتعلق باحتمال المشاركة بفاعلية في الشأن العام من جهة أخرى.في منتصف شهر مارس الماضي، فاجأ الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الإمارات ورئيس مجلس وزرائها، الجمهور بالإعلان عن تشكيلة حكومية جديدة في بلاده عبر "تويتر"؛ وهي سابقة ذات دلالة كبيرة، من دون شك، إذ تشير إلى تطور نوعي في وظائف مواقع التواصل الاجتماعي الإخبارية، التي باتت وسيلة لبث الأخبار السيادية قبل غيرها من الصحف الرصينة ووكالات الأنباء الرسمية والعالمية.لم يعد "تويتر" يُستخدم في الإعلان عن أسماء الوزراء الجدد فقط، لكنه أصبح وسيلة لإعلان الاستقالة من الحكومة أيضاً؛ أو على الأقل هذا ما فعله الوزير المصري السابق هاني محمود، الذي أعلن استقالته عبر هذا الموقع في شهر ديسمبر الماضي من حكومة الدكتور هشام قنديل. كان الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز قد استخدم "تويتر" أيضاً، في منتصف شهر فبراير المنصرم، ليعلن أنه عاد إلى كراكاس بعد رحلة علاجية في كوبا، خاصة أنه كان أحد أكثر عشرة رؤساء في العالم نشاطاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي.تفيد دراسة نشرتها مؤسسة "ديجيتال بوليسي كاونسل" أن 123 رئيس دولة أو حكومة باتوا يستخدمون موقعي "تويتر" و"فيسبوك" بانتظام، في نهاية العام الماضي 2012، بارتفاع نسبته 78% مقارنة بالعام السابق له، وأن معظم هؤلاء يبثون رسائل سياسية وأخباراً عبر حساباتهم.مع الارتفاع المطرد في عدد مستخدمي "الإنترنت" في العالم، والزيادة المتسارعة في مستخدمي وسائط التواصل الاجتماعي الشهيرة، تتكرس الوظيفة الإخبارية لتلك الوسائط، وتصبح مصدراً رئيساً لاعتماد الجمهور ووسيلة لمتابعة الأحداث والمشاركة في صياغتها والتعليق عليها.يمكن القول إن الوظيفة الإخبارية لمواقع التواصل الاجتماعي ظهرت كمحاولة للالتفاف على قمع بعض الأنظمة الاستبدادية وتقييدها لوسائل الإعلام النظامية (معلومة الهوية ومحددة المسؤولية)، كما حدث في أحداث الإيغور في الصين، وفي الانتخابات الإيرانية 2009، وفي العدوان الإسرائيلي على لبنان 2006، وغزة 2008، ثم الصراع الدائر راهناً في سورية.لكن تلك الوظيفة شهدت أزهى عصورها، حينما تحولت مواقع التواصل الاجتماعي "بنية أساسية اتصالية" في دول التغيير العربي، التي شهدت "ثورات" أطاحت بأنظمة حكم استبدادية، من خلال أدوار مارستها تلك المواقع في الحشد والتعبئة وتنظيم "النضال السلمي" وبلورة الاحتجاجات وصياغة المواقف والشعارات.تعطي مواقع التواصل الاجتماعي لمستخدميها صلاحيات غير قابلة للمنافسة من أي وسيلة إعلام نظامية؛ إذ تمكنهم من انتقاء الأخبار، وصياغتها، وتأطيرها، وبثها خلال ثوان معدودات، طالما كانوا يمتلكون هواتف جوالة ذكية، أو أياً من الوسائط التقنية الأخرى، ووصلة لـ"الإنترنت". يمكن ملاحظة أن نسبة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر للأخبار تزداد باطراد في ظل سخونة الأوضاع السياسية من جهة، وكلما تعرض الإعلام النظامي لتضييق أو استهداف من السلطات من جهة أخرى.وقد شهدت السنوات القليلة الفائتة اتجاهاً من قبل السلطات في غير دولة عربية إلى استهداف "مدونين" و"مغردين" باتهامات وأحكام بالسجن بأكثر مما يحدث مع الصحافيين والإعلاميين الذين يمارسون عملهم في وسائل الإعلام النظامية.تزيد نسبة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في الدول التي تشهد انغلاقاً في إعلامها النظامي، وترتفع نسبة المحتوى السياسي في "تويتر" بشكل مطرد، ويزيد ميل السياسيين من كل الأطراف إلى استخدامه في إنتاج الأخبار وبثها وتداولها ومتابعة تطورات الرأي العام، ومحاولة تقصي ما يطرأ على الوعي الجمعي للنخب من تغيرات.في مقابل الميزات الكبيرة التي تتيحها مواقع التواصل الاجتماعي لمستخدميها، خصوصاً على صعد السرعة والإيجاز والبلورة وإمكانات البحث وقدرات التعبئة والتوجيه، ثمة الكثير من السلبيات والاعتوارات؛ فتلك الوسائط لا تُخضع المحتوى الذي تبثه لأي شكل من أشكال التقييم أو المراجعة، ولا تُلزم من يبث هذا المحتوى بأي قدر من الالتزام، سوى ما يقرره طوعاً لذاته.يسهل جداً نقل الأخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي من دون أي قدر من التوثيق، ويندر جداً استخدامها منسوبة لأصحاب الحسابات التي تم بثها من خلالها، وكثيراً ما يتم نقلها باعتبارها "حقائق لا تقبل الدحض"، كما يسهل طبعاً أن يتنصل صاحب الحساب من الرأي أو المعلومة أو التقييم الذي بثه قبل قليل بداعي أن "الحساب تمت سرقته"، أو أنه "لا يمتلك حساباً في الأساس".تمثل مواقع التواصل الاجتماعي رصيداً إخبارياً معتبراً، خصوصاً في ظل أجواء التعتيم والاستبداد التي تغل يد الإعلام النظامي، لكنها أيضاً تعد ميداناً خصباً لاختلاق الوقائع وتشويه الحقائق وبلورة المشاعر العدائية وأحياناً بث الكراهية.سيمكنك بكل سهولة أن تدخل على "تويتر" مثلاً وتكتب تدوينة تعبر فيها عن رأي أو تنقل اقتباساً أو حتى معلومة، لكن لن يكون هناك ما يضمن لك الحماية من رد علني مباشر من شاب غاضب يطعن في شرفك، أو يصفك بـ"الحيوان"، أو يسب أحد والديك. كما أنه لا يوجد أي ضمان للمسؤول السيادي في ما يتعلق بملكيته لحسابه، ولا في ما يخص الحسابات المزيفة التي ستنشأ لمناكفته والحديث باسمه، ولا في ما يتصل بالردود الحادة والمنفلتة على أي قرار أو موقف يعلنه عبر صفحته.تفرض تلك الوسائط أصعب التحديات على المواقع الإلكترونية الإخبارية النظامية، التي تنفق أموالاً في إنشاء ماكينات جمع الأخبار، ونشر الأطقم الصحافية، وجمع المحتوى وتطويره وتدقيقه وبثه، ثم تأتي تلك الوسائط (المجانية) لـ"تخطف" هذا المحتوى، أو تفقده قدرته التنافسية عبر تطوير "محتوى أسرع بثاً وأكثر سخونة وأقل دقة في آن".ستظل وسائط التواصل الاجتماعي تكسب أرضاً جديدة في ميادين الإخبار، طالما كان الإعلام النظامي تحت قيود القمع السلطوي، وطالما كان عاجزاً عن تغيير إيقاعه وتطوير أدواته، للحاق بجمهور بات مزاجه في التعرض الإخباري أكثر ميلاً للمقاربة الموجزة الموحية الحادة.لكن التحدي الكبير في هذا الصدد يتعلق بكيفية خلق التكامل والتعاون بين الإطارين النظامي وغير النظامي، بحيث يصبح أولهما أكثر تحرراً وسرعة وطزاجة، ويصبح الآخر أكثر دقة ومسؤولية وخضوعاً للضبط الذاتي.تعطينا مواقع التواصل الاجتماعي عبر "الإنترنت" الكثير من الفرص على صعيد الوظيفة الإخبارية، لكنها تفرض علينا تحديات خطيرة في الوقت نفسه.* كاتب مصري
مقالات
مصدر للأخبار أم «لعب عيال»؟
01-09-2013