محطات مضيئة في حياة عبدالله زكريا الأنصاري

نشر في 25-01-2013 | 00:01
آخر تحديث 25-01-2013 | 00:01
No Image Caption
المتحدثون في «المنارة»: الأديب الراحل ظاهرة ثقافية وشخصية تربوية
منارة عبدالله زكريا الأنصاري تضمنت إضاءات منوعة في مجالات مختلفة قدمها الأديب الراحل، إذ تمت مناقشة إسهاماته الأدبية والشعرية والتربوية، وأهميتها، مع استعراض جوانب إنسانية نابعة من بساطته في التعامل وأصالته في السلوكيات.
ضمن فعاليات مهرجان القرين الثقافي التاسع عشر، استضافت مكتبة الكويت الوطنية منارة ثقافية تمحورت حول الأديب عبدالله زكريا الأنصاري، تحدث فيها د.عبدالله المهنا ود. بدر الخليفة، وأدارها د. خالد عبداللطيف رمضان.

بداية، قدم الخليفة ورقة بحثية تستعرض الجانب الإنساني والاجتماعي لعبدالله الأنصاري، مركزاً على مواقف شخصية للأديب الراحل وعلاقته بمن حوله، المقربين منه أو البعيدين، مستعرضاً أحداثا كثيرة على مدار ثلاثين عاماً جمعته بالأنصاري، محدداً بداية معرفته عام 1975، عقب عقد قرانه على كريمته مي «أم خالد»، ويرى أن ثمة مواقف منوعة كشفت له صفات إنسانية جميلة، فكانت لطيبة قلبه مواقف كثيرة ولدماثة الخلق قصص وحكايات.

سرد تربوي

ويورد الخليفة تفاصيل عن اللقاء العائلي الأسبوعي الذي كان يدور حول ذكريات الأنصاري في مصر والمواقف الطريفة التي حدثت له، مؤكداً أن الراحل كان يسرد هذه الحكايات ممزوجة ببعض التوجيهات التربوية، ويلفت إلى أنه لم يكن يفرق في المعاملة مع الطرف الآخر سواء كان من العائلة أو الأصدقاء أو المعارف، إذ يتعامل مع الكل بالطريقة ذاتها وبالخلق ذاته والأسلوب عينه.

ويشير الخليفة إلى فترة الغزو العصيبة التي تركت أثراً سلبياً في نفسه وتوقف عن الكتابة لفترة ليست بالقصيرة، مستعرضاً بعض المواقف التي حدثت خلال الأشهر السبعة، مشيراً إلى أن أسرة الراحل تنوي افتتاح مكتبة الراحل التي تضم آلاف العناوين لكي يستفيد منها الباحثون والدارسون.

كما تحدث الخليفة عن ديوانية الراحل التي شهدت ندوات وحوارات أدبية مهمة عكست هموم المواطن، وكان يتوافد الأصدقاء إلى الديوانية بكل حب وود رغبة في الاستزادة والنهل من هذا الأديب الكبير.

تجليات الشعر

ثم تحدث الدكتور عبدالله المهنا عبر ورقته البحثية «تجليات الواقع في التجربة الشعرية عند عبدالله زكريا الأنصاري» عن القيمة الشعرية لهذا الشاعر الكبير، معتبراً أنه ظاهرة ثقافية متعددة النوافذ، تطل على مختلف تيارات الثقافة العربية المعاصرة وله في هذا الجانب إسهامات متعددة، بلغت أحد عشر عملاً منشورا باستثناء الشعر ما بين أعوام 1956-1983، أدار فيها حوارات بالغة التعقيد فأنت تراه حيناً ناقدا متميزاً يجمع بين عمق الرؤية وجماليات التفسير النقدي حين يتعرض لشعر فهد العسكر أو صقر الشبيب، وله الفضل في إثارة الكثير من القضايا الإشكالية والنقدية حول شعر هذين الشاعرين المثيرين للجدل في مسيرة الشعر الكويتي، وتراه أحياناً مفكراً، من طراز مختلف، تتملكه رغبة الحوار والبحث عن الحقيقة الغائبة.

وأضاف المهنا أن للأنصاري كتاباً بعنوان «حوار في مجتمع صغير»، يسلك فيه مشرباً سياسياً واجتماعياً على لسان الآخر، مبيناً أنه يحتل مركز الصدارة في إدارة هذا النمط من الحوار.

وبشأن موقفه من حركة الشعر العربي، يلفت إلى أن الأنصاري لا يدير ظهره للحداثة الشعرية وهو يرى ضجيجها قد ملأ الحياة الثقافية، بل يتفاعل معها ويخضعها للمساءلة والاحتجاج، مستفسراً عن أسئلة مشروعة تتمحور حول مفهوم الحداثة، معتبراً أن الشكل الجديد للقصيدة يستمد جذوره من التراث العربي وهو بلا شك يخالف تماماً المفاهيم التي تطرحها القصيدة الحداثية، ومع اضطراب المصطلح واختلاف تأويلاته في الثقافة العربية المعاصرة فإنه يمكن حصره في أربعة عناصر رئيسة، هي الشعر والشكل الشعري واللغة والشاعر، وأن شعرية القصيدة تكمن في بنيتها لا في وظيفتها، والشاعر فارس النص ومبدعه.

ويشير إلى أن المرجعية الثقافية عند الأديب عبدالله الأنصاري واسعة ومثيرة للجدل، لا يمكن الإحاطة بأبعادها وبواعثها في مساحة محدودة من هذه الدراسة المخصصة لمعالجة أبعاد التجربة الشعرية بكل أطيافها التنظيرية منها والتطبيقية لغيابها عن المشهد النقدي، موضحاً أن المسيرة الشعرية عند الأنصاري بقيت حاضرة تفرض وجودها عليه إبداعاً فوق إبداع إلى أن أصبحت المجلات الثقافية والصحف اليومية تتلقف إنتاجه الشعري داخل الكويت وخارجها، وكان نفسه الشعري يفوق الكثيرين من أبناء جيله على المستويين الإقليمي والعربي، غير أن إصرار الشاعر وتمنعه عن إصدار ديوانه حال دون تصدره المشهد النقدي طوال حياته.

موقفه من الشعر

يتناول المهنا حوار الأنصاري مع الشعر، إذ يحاكي أبناء عصره الذين عمدوا إلى تسجيل حكاياتهم وتجاربهم وإخفاقهم ونجاحاتهم، مع كتابة القصيدة ومنهم نازك الملائكة وصلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي ونزار قباني وعبدالوهاب البياتي وفدوى طوقان وغيرهم، غير أن الفارق النوعي بينه وبينهم أنهم دونوا تجاربهم في الغالب أعمالاً نثرية خاصة، أما الشاعر الأنصاري فقد آثر أن يسجل تجاربه الخاصة في هذا الشأن من خلال الشعر نفسه، أما آراؤه العامة في الشعر وقضايا التجديد واللغة إلى غير ذلك من المسائل الخلافية، فهي موجودة في كتاباته الصحافية المختلفة.

وتحدث المهنا عن الصمت الشعري، وقال في هذا السياق: «مر الشاعر الأنصاري بظاهرة الصمت الشعري وقد سجل لنا موقفه هذا في قصيدة طويلة في سياق حواري يكشف عن قدرة الشاعر على إشاعة حركة الحياة في إبداعه الشعري ومن أجوائها: جاءت على مهل لتنشدني/ وتسرني طوراً وتحزنني/ وتروح في الماضي منقبة/ فتجيء في مهل تذكرني».

وعن موقفه من قصيدة التفعيلة، يصف المهنا أن قراءة المشهد الشعري عبر قصيدة ساخرة لا يعكس موقفاً نقدياً، بقدر ما يعكس موقفا انفعاليا ضد القصيدة الجديدة التي أخذت تهز قواعد القصيدة العمودية. ومنها الأبيات التالية:

وشعر يغوص وشعر يلوص/ وشعر يبغبغ كالببغاء/ وشعر يطير وشعر يحط/ وشعر يقرفص كالقرفصاء/ وشعر يرنُّ وشعر يونُّ/ وشعر يطن وشعر خواء.

مداخلات وشهادات

في الجلسة التي شهدت مداخلات منوعة، وتناولت أهمية الإنتاج الذي تركه الأنصاري أدباً وشعراً وفكراً، ثمنت الأديبة ليلى محمد صالح دور المجلس الوطني للثقافة الفنون والآداب والمحاضرين في تنظيم هذه الأمسية، مشيرة إلى أن الأنصاري لم يكن يحب الظهور الإعلامي وحينما أراد المجلس الوطني تكريمه اعتذر عن، مبينة أنه كان يشجع المرأة في ممارسة الكتابة الإبداعية.

ولفت الدكتور خليفة الوقيان إلى أن الأنصاري ينتمي إلى جيل المشروع النهضوي الوطني والقومي، لذلك تميز هذا الجيل سواء في مجال العمل الوظيفي أو في المجال الإبداعي، مضيفا: «ولما بدأ يغيب عنا هؤلاء تراجعنا كثيراً».

أما الأديب طالب الرفاعي فأكد أن الأنصاري يعد من أهم أعمدة التنوير في الكويت، مؤكداً أنه قدّم خدمة جليلة للأدب الكويتي والعربي بتخليده للشاعر فهد العسكر من خلال إصدار أدبي جميل، معتبراً أن مرحلة الصمت الشعري للأنصاري تتضمن رسالة واضحة الدلالة وفيها اعتراض كبير.

وتساءل الكاتب خليل حيدر عن انعكاس المرحلة العصيبة التي عاشتها الشعوب العربية في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي في شعر الانصاري، مستشهدا بعدم تأثره بنوعية نتاج الشاعر فهد العسكر.

واقترح الأمين العام لرابطة الأدباء صالح المسباح العمل على اصدار كتاب وثائقي مصور يختزل مسيرة هذا الأديب الكبير.

ومن جانبه، أشار الزميل محمود حربي إلى مكانة الانصاري عند النقاد العرب اذ امتدحوه، وقالوا عنه إنه أحد أعلام مدرسة أبولو الشعرية. كما لفت إلى دوره السياسي في التجمع الوطني، وكان له دور محوري في المحافظة على بعض الوثائق المهمة.

 وأورد حربي جانبا من حديث الأنصاري له في احدى الجلسات، اذ كان الراحل يقرأ كتاب عبقرية عمر بن الخطاب على ضوء المصباح ونظرا لخفوت الإضاءة كان يقترب من المصباح، لكنه لم ينتبه الى أن النار بدأت تشتعل في الكتاب، معتبرا هذا الموقف دليلاً على رغبته في النهل من الكتب والاستزادة من مصادر المعرفة تحت أي ظرف.

وشدد على أن الأنصاري تبرع بقيمة أرض في القاهرة في شارع جامعة الدول العربية للمجهود الحربي، وحينما عرف المشتري بهذه القصة قرر اهداء شقة للأنصاري في أحد المجمعات التي يملكها، لكن لأنصاري رفض هذا العرض.

وكشف حربي عن سرقة أدبية لأحد اصدارات المجلس الوطني، اذ قامت احدى دور النشر بطباعة هذا الاصدار الذي يحمل عنوان «مرايا الذات» دون الرجوع إلى المجلس الوطني.

back to top