العيد ونثار الفرح!

نشر في 15-10-2013
آخر تحديث 15-10-2013 | 00:01
 طالب الرفاعي ترتبط مفردة العيد بشيء من الاحتفال بفرح خفي! ولأن أعياد البشرية عادة ما ترتبط بمناسبات دينية أو اجتماعية فإن أعياد العالم الإسلامي ترتبط بشهر رمضان وموسم الحج إلى مكة المكرّمة. لكن إذا كان عيد الفطر هو فرحة للصائم، وعيد الأضحى فرحة للحاج، فإن أعداداً لا حصر لها، على طول وعرض العالم الإسلامي، تتشارك في استحضار فرحة العيد. فرحة تغمض عينيها عن مرارة لحظة الواقع، وتستحضر غيمة فرح قد تهمي بشيء من سرور يمس جفاف القلب!

في لحظة شقاءٍ نطق ذاك المتنبي ببيت شعره: "عيدٌ بأيةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ، بما مضى امْ بأمرٍ فيك تجديدُ" ليذهب مثلاً بين أمة العربية، وليأتي حاضراً كأشدّ ما يكون مع مجيء كل عيد، خاصة أن أوضاع الأوطان العربية، من سيئ إلى أسوأ في عمومها، وهي تمرّ بظروف موجعة في لحظتنا الراهنة، كأكثر ما تكون لحظات تاريخ الأمم ارتباكاً وتخبطاً وأملاً!

كيف يتسنى لأحدنا أن يحفر في طين القلب ليعثر على لحظة فرح مدفونة في مكان ما؟ وهل عزل الإنسان لشخصه ضمن محيطه الأسري والاجتماعي الأصغر بقادر على أن يمنح روحه فرحاً حقيقياً؟ أم أننا نتظاهر بمعايشة لحظة فرح للهروب من مواجهة الحقيقة بصعوبة العثور على فرحٍ يهزّ القلب، ويفجر دموع السعادة في الصدر والروح!

البعض يرى أن معايشة الفرح شيء شخصي، وأن على الإنسان أن يقتنص أي لحظة فرح عابرة، وألا يكون محبطاً بأوضاع خارجية، لا يد له فيها، ولن يغير حزنه ذرة من واقعها. لكن، في زمن الفضاء المفتوح والقرية الكونية ومحطات البث التلفزيوني العابرة للقارات، وأخبار الوجع الإنساني العربي والإسلامي والإنساني التي تهطل علينا على مدار اللحظة، من أين للإنسان السوي أن يجافي كل هذا الدمار والعنف والقتل الأعمى ليعزل نفسه ويعيش فرحاً يغمر روحه!

في جلسة حوار لي مع الروائية الأميركية السبعينية "مارلين روبنسون-Marilynne Robinson"، دكتورة الكتابة الإبداعية في جامعة "أيوا"، قالت لي: "عوّدت نفسي على التقاط لحظات الفرح الأصغر اليومية" وسكتت لثوانٍ تزيح خصلة شعر شائب تحدّرت على وجهها، قبل أن تكمل: "لا وجود لفرح كبير في الحياة، وحدها لحظات الفرح اليومي الصغيرة هي من تمسّد جروح الروح". ولكن ماذا لو عزّت لحظات الفرح الصغيرة؟

الشمس لا تهتم لأحد، والضياء في كل يوم يأتي في موعده، وكذا مناسبات الأعياد تأتي صماء لا تبالي بما يدور من حولنا. فهل نشيح بوجوهنا عنها، ونبقى مدفونين في طين لحظة أحزاننا، أو نخطو نحوها لنعانق مرورها ونبلل أرواحنا برشة ماء فرح غالي لا يتسنى لنا التمتع بحضوره في كل يوم؟

الحياة في ديدنها مع التجدد والسير إلى الأمام، وأنا عشتُ عمراً أردد مع نفسي عبارة: "اللحظة القادمة تحمل السر، وربما الفرح المنتظر!" ولأنني لا امتلك إلا أن أعيش مفتِشاً عن نثار أفراح صغيرة بين جنبات اللحظة العابرة، فإنني في كل عيد، أقف أمام المرأة، أعود ذاك الطفل الذي ألبسته أمه ثياب العيد الجديدة، وهمست بأذنه: "عيدك مبارك يا وليدي"، وطبعت قبلة حنون على خده وتركته يتساءل عن العيد وعن البركة وعن شيءٍ من فرح ينعقد في مرور العيد!

أمي، يرحمها الله، كانت تردد مع مقدم كل عيد عبارتها بصيغة التمني: "لا فاقد ولا مفقود"، وكأن وجودنا إلى جوار الأحبة هو العيد الحقيقي. لكن، ماذا يا أمي الغالية، إذا كان الفقد وحده هو من يغشى سماء أقطار وطننا العربي الحبيب؟

كل عام والجميع بخير!

back to top