وللطهاة قنواتهم
كثيراً ما كُتبت تعليقات غاضبة وتحقيقات ساخرة ومتهكمة حول ثقافة الطبخ و{المعدة} والطهاة في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب، كتابات أصبحت مملة ورتيبة ومستنفدة، وهي في معظم الأحيان كانت تحصل إما بسبب تصدّر كتب الطبخ لائحة {الأكثر مبيعاً} مع كتب الأبراج، أو بسبب تصنيف إدارة المعرض كتب الطبخ نفسها في خانة الفنون إلى جانب المسرح والغناء ونحوهما... هذه الهفوة الإدارية كانت كافية لاستدراج عشرات التعليقات التهكمية من واقع الثقافة العربية وأزمة الكتاب في العالم العربي.
كان نقد ثقافة الطبخ يحصل من خلفية التشاؤم الثقافي وأزمة القراءة وغلبة {ثقافة المعدة} على {ثقافة العقل} في العالم العربي، لكن ما لم ينتبه اليه نقاد ثقافة المعدة الآن، أن بعض الطهاة من خلال برامجهم التلفزيونية، يجعلون من تحضير الوليمة أو الطبق قصيدة بصرية تفوق جمالاً القصائد التي يدونها الكثير من الشعراء الحداثيين، والوليمة في صحنها أو طبقها على الشاشة، فيها من الشعر ما يكفي، لإلهام الكثير من الشعراء لكتابة دواوين عنها، هي أشبه بحلم في لحظة من اللحظات، ولم يعد غريباً أن نجد مثقفاً يصدر كتاباً عن الطبخ مثل كتاب {مطبخ زريا}} للكاتب السوري فاروق مردم بك، وقد صدرت عن دار {أكت سود} الفرنسية سلسلة كتب بعنوان «الشرق النهم»، نُشر منها حتى الآن 12 كتاباً لمؤلفين عرب وأجانب من ضمنها «المطبخ العباسي»، ترجمه ونشره رياض الريس بعنوان «مطبخ الخليفة»، و{المطبخ العثماني» لكاتب تركي، وكتاب عن المطبخ الحلبي، وآخر عن المطبخ الدمشقي والكسكس في المغرب، وثمة الكثير من الروائيين اغدقوا في وصف الطعام في رواياتهم مثل الياباني هاروكي موراكامي في «الغابة النروجية» والتركية أليف شافاق في «لقيطة اسطنبول»...وما يمكن ملاحظته أن الطبخ في جانب منه مثل الكتابة والغناء وتصميم الأزياء والرسم، ليس مجرد مقادير توضع في طنجرة أو وعاء وتشعل تحتها النار، ثمة لمسة الطاهي الذي يجعل المشاهد يشتهي أو لا يشتهي، أيضاً لم تعد برامج الطبخ تختصر على إمرأة او رجل في مطبخ يطلب من الجمهور حمل ورقة وقلم ويسجل وليمة اليوم، فالطبخ بات جزءا من ثقافة شاملة.
ثقافة الطبخ لم يعد بالإمكان التهرب من ثقافة الطبخ، خصوصاً بعد تحولها من مادة ورقية أو كتب إلى برامج بصرية تلفزيونية متكاملة. لنتذكر أنه قبل سنوات، كان الشيف رمزي «ملك الشاشة على بياض» في تقديم الوجبات، واليوم أفل نجمه، وبات لكل محطة نجمها في الطهي، من الشيف شادي على قناة «المستقبل» إلى الشيف انطون على «تلفزيون لبنان»، ومنال العالم على شاشة أبو ظبي. ولكل طاه شخصيته ولغته وطريقته، فمنال العالم تميل الى التقنية ربما بسبب الوقت المحدد لها على المحطة، والشيف انطوان بطريقته البلدية بات عنواناً لاستلهام لقطات كوميدية في برامج الضحك اللبنانية، أما ما تقدمه «تيتي لطيفة» في برنامج «على نار لطيفة» فهو أشبه بتطفل على عالم الطهي، لا مسوغ له ولا مبرر، فالسيدة «الحكواتية من دون حكايات» التي تستضيف كل يوم مواطناً (أو مواطنة) عادياً ليقدم تجربته في الطهي، لم تعد مقنعة في فكرتها، ولم يعد بامكانها جذب الجمهور إلى مشاهد روتينية لا تحمل ما يدعو إلى التوقف عنده، بل في مرات تدخل الزواريب الضيقة لهوية ضيوفها والمناطق الآتين منها. أيضا لم يعد حضور الطهاة على وقت محدد لهم على هذه المحطة أو تلك، فالوقائع أثبتت ان للطبخ جمهوره الكبير، وعلى هذا لم يكن غريباً أن تستورد المؤسسة اللبنانية للإرسال برنامج «ماستر شيف» لتقديمه في نسخة عربية لم تكن موفقة.تعدّت الأمور ذلك، إذ أطلقت قناة متخصصة في الطبخ بعنوان «فتافيت»، لا تقدم سوى برامج الطبخ وقد حظيت بشعبية كبيرة خلال الفترة الماضية، وتختلط برامجها بين الطبخ المنزلي وطبخ المطاعم، والطبخ الشرقي والطبخ الغربي، وأحد الطهاة لا يتردد في الجمع بين طريقة تحضيره الطعام والكوميديا.واطلقت شبكة قنوات «c.b.c} قناتها المتخصصة الجديدة {c.b.c سفرة} وهي قناة متخصصة في الطهي بمختلف أنواعه وجنسياته وطرق تقديمه، وتهدف إلى تقديم موسوعة عن المطبخ المصري في تاريخه ومستجداته.وعلى هذا لا بأس في مديح الطبخ المتلفز، فالمطابخ في مختلف هويتها تحمل بين سطورها إشارات لثقافات عريقة لا تقل أهمية عن الكتب والفلسفات، وربما لهذه الأسباب وجدنا اسرائيل تحاول السطو على صحني التبولة والحمص.