العراق والطريق الديمقراطي الصعب
-1-رزح العراق في العهد الخليفي والملكي والجمهوري تحت أنظمة حكم غير ديمقراطية طيلة قرون طويلة، رغم أن الديمقراطية قد عُرفت، وطُبقت في أثينا قبل القرن السابع الميلادي بمئات السنين.
ولا شك أن العراق بعد عام 2003، بدأ يتلمس طريقه إلى الديمقراطية من خلال شعب لم يسبق له أن مارس الديمقراطية، وإن كان قد كتب عنها، وقرأ لها وشهد عليها، في أوروبا الغربية، من خلال البعثات العلمية العراقية، التي كانت تذهب إلى هناك. وظلت الديمقراطية حتى عام 2003، وقبل سقوط حكم صدام حسين حلماً من الأحلام العراقية العزيزة المنال.-2-ومن هنا، كانت الانتخابات التشريعية في 2005، وفي 2010، ظاهرة سياسية عراقية لافتة، كما كانت ظاهرة سياسية عربية تاريخية، رغم كل ما صاحبها من أخطاء ونواقص. كذلك، فإن الاستفتاء على الدستور العراقي عام 2005، كان نهجاً ديمقراطياً جديراً بالاهتمام، وكان مثار غضب ومعارضة من ميليشيات الإرهاب التي ضربت مراكز الاقتراع في ذلك الوقت بالصواريخ، ومدافع الهاون، لتعطيل مسيرة الديمقراطية التي اعتبرها زعيم "القاعدة "الإرهابي النافق الزرقاوي في العراق، من أمور الكفار، التي لا يجوز للمسلمين الأخذ بها! علماً أن الديمقراطية في "العدل والإحسان" من صُلب الدعوة الإسلامية.-3-ولا شك، أن المسيرة الديمقراطية العرجاء التي بدأت بعد 2003، قد اعترضها الفساد المالي إلى جانب الإرهاب. وحاول هذان العاملان السلبيّان إعاقة التقدم الديمقراطي في العراق، ولكن العراقيين استطاعوا خلال المدة الماضية أن يزيلوا جزءاً من الإرهاب من طريق الديمقراطية، ويفتحوا للديمقراطية أبواباً كانت مغلقة قبل 2003. ولكن بقي على العراقيين محاربة داء آخر خطير على الديمقراطية، وهو الفساد المالي المستشري في الدولة العراقية في الماضي والحاضر، وهو ما لم يستطع العراق النجاح والفلاح في القضاء عليه حتى الآن. وقد حاول العراقيون عن طريق "هيئة النزاهة العراقية" و "منظمة الشفافية الدولية" الحدَّ من هذا المرض الخطير، ولكن الفساد المالي أخذ بازدياد، واستشراء واسع في المدة الأخيرة. فيما اتخذت الحكومة العراقية خطوة نحو محاولة محاربة الفساد بقانون "إشهار الذمة المالية" لكل المسؤولين العراقيين من تنفيذيين، وتشريعيين، وقانونيين، ولكن يبدو من دون جدوى.-4-وتبرز مظاهر الفساد في العراق، من خلال الرشوة، والمحسوبية، والمحاباة، فضلاً عن الابتزاز، والتزوير، والعمل في السوق السوداء، والتهريب باستخدام الصلاحيات الممنوحة للشخص، أو الاحتيال، أو استغلال الموقع الوظيفي للتصرف بأموال الدولة بشكل سري من غير وجه حق، أو تمرير السلع عبر منافذ السوق السوداء، أو تهريب الثروة النفطية. ويشير استبيان شعبي عراقي، ساهمت إحدى الصحف العراقية في إنجازه، مع "مؤسسة" عراقية أخرى، إلى أن أغلب الموظفين الذين يتهمون بالفساد من الرجال، وأن معظمهم ينتمون إلى أحزاب لها تأثير في العملية السياسية. وكشف الاستبيان عن معلومات كثيرة منها أن 69% من الفاسدين هم ممن عاشوا حياة فقيرة وبائسة، وأن 40% منهم ممن يفتقدون ثقافة النزاهة، وأن 71% منهم ممن يمتلكون عقارات وأموالا خارج العراق. وأن 81% منهم لا يسجلون أموالهم وعقاراتهم بأسمائهم الشخصية. وأن 23% منهم موظفون جٌدد، والمفاجأة الكبرى التي جاء بها هذا الاستبيان أن 20% من الفاسدين يستلمون راتبين في الشهر الواحد!-5-ومن الجدير بالذكر، أن معدلات الفساد المالي في العراق في عام 2012 قد انخفضت عما كانت عليه الحال في عام 2003 حسب تقرير أعدته الأمم المتحدة، فقد وصلت نسبة الفساد في سلطة الائتلاف إلى 66% بينما انخفضت في عام 2012 إلى 33% تقريباً. ولكن عادت نسبة الفساد إلى الارتفاع من جديد بنسب عالية جداً في الفترة الأخيرة، بشكل اضطرت معه "منظمة الشفافية الدولية" في ألمانيا الى الإعلان، عن أن "الفساد في العراق لا مثيل له في تاريخ البشرية".-6-لقد سبق العراق بلداناً عربية عدة بوضع قانون صارم، للكشف عن الذمم المالية للمسؤولين، ولكن هذا القانون كان حبراً على الورق ولم يُطبَّق. ففي مصر- مثلاً- صدر في الستينيات من القرن الماضي قانون "من أين لك هذا؟"، ولكنه لم يُطبَّق إلا لزمن قصير، وعلى نطاق ضيق، ثم أوقف العمل به. وطالبت قوى المعارضة المصرية بأطيافها المختلفة الحكومة في 2006 بتطبيق هذا القانون وتفعيله، بشأن محاسبة الوزراء وكبار المسؤولين في الدولة، فضلاً عن إلزامهم بتقديم إقرارات الذمة المالية، وبيان الممتلكات الشخصية، قبل تقلدهم مناصبهم، وأيضاً الكشف عن ثرواتهم عقب خروجهم من مناصبهم مباشرة، ولكن هذا القانون لم يُطبّق، واستشرى الفساد في مصر، وكانت ثورة 25 يناير 2011 إحدى نتائجه.-7-وفي اليمن، قال محمد المطري رئيس "قطاع الذمة المالية في الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد": "إن حالات إقرار الذمة المالية لكبار موظفي الدولة ارتفعت، ورغم هذا ما زال الفساد مستشرياً في اليمن، وعلى وتيرة مرتفعة جداً، وكانت نتيجته خلع الرئيس السابق علي عبدالله صالح كما جرى في 2012.ومن المعلوم، أن خطر الفساد عظيم على المسيرة الديمقراطية، وقد شاهدنا في العراق، كيف تعثرت المسيرة الديمقراطية هناك، نتيجة لاستشراء الفساد، ونتيجة لنقص الخدمات العامة للمواطنين، بعد مضي أكثر من تسع سنوات على التحرير والقضاء على دكتاتورية صدام حسين. ولا شك أن عوامل كثيرة قد ساهمت مساهمة فعالة في تعثُّر المسيرة الديمقراطية في العراق.* كاتب أردني