فجر يوم جديد: قنابل بشرية موقوتة!

نشر في 22-02-2013
آخر تحديث 22-02-2013 | 00:01
 مجدي الطيب في 16 مايو من العام 2003 تعرضت خمسة أماكن مختلفة في وسط «الدار البيضاء»، كبرى مدن المغرب والعاصمة الاقتصادية للبلاد، لسلسلة من التفجيرات أدت إلى مقتل 45 شخصاً من بينهم الذين نفذوا الهجمات وعددهم 12 شخصاً، وتبين أن أعمارهم تتراوح بين 20 و 24 سنة، وأنهم جاءوا من أحياء الصفيح العشوائية في سيدي مؤمن، إحدى الضواحي الفقيرة القريبة من الدار البيضاء!

  واقعة تُعدّ الأسوأ والأكثر دموية في تاريخ المغرب، سجلها القاص ماحي بينبين في روايته «نجوم سيدي مومن» وتدور حول فريق كرة قدم استقطبه متشددون دينيون للقيام بعمليات انتحارية، فالتقطها المخرج المغربي نبيل عيوش ليدعم بها سيناريو فيلم «يا خيل الله» الذي اتفق مع المغربي جمال بلماحي على كتابته.

 عكس أفلام قدمها سينمائيون عرب لتجاري «السيناريوهات الرسمية»، وتتبنى الروايات الحكومية، بدا عيوش مهموماً بأولئك الشباب الذين يعيشون ظروفاً اقتصادية متردية وحالة من البؤس والتهميش تجعل منهم ضحايا لمتطرفين يلوحون لهم بالجنة ونعيمها، ويقتلون فيهم إنسانيتهم وبراءتهم وطموحاتهم المشروعة بغد أفضل!

  يرصد نبيل عيوش في فيلمه الذي بدأ عرضه في الصالات المغربية في 6 فبراير وتهيأت القاعات الفرنسية لاستقباله في 20 من الجاري، حفنة من الأطفال وجدوا في ممارسة كرة القدم ما يشغلهم عن الحياة التي ضاقت بهم وعائلاتهم وأذاقتهم مرارة العيش في الحي الصفيحي، الأقرب إلى مقلب النفايات الذي صوره نبيل عيوش كما الأفعى التي تتلوى وتتمدد وتتضخم من امتصاص دماء الفقراء والمهزومين والمهمشين.

 برقة بالغة تنم عن مشاعر إنسانية فياضة يصحبنا الفيلم في رحلة تزخر بالمشاعر المرهفة، ولا تخلو من شجن يحرق القلب، مع هؤلاء «الصعاليك الصغار»، على رأسهم الشقيقان حميد الذي يؤمن بالقوة المفرطة والعنف كسلاح وحيد للبقاء في هذا العالم، وطارق عاشق حراسة المرمى الذي يرتاح لاسم «ياشين» تيمناً باسم ليف ياشين حارس المرمى الروسي «الأسطوري»، وهما يتحملان مسؤولية كبرى تجاه عائلة فقيرة تتكوّن من أم  طردت من وظيفتها، وأب مهزوم ومكتئب اختار الصمت ملاذاً، وشقيقين كريم ذهب إلى الحرب في الصحراء ولم يعد، وسعيد المصاب بمرض التوحد وتنحصر علاقته بالعالم من حوله في مذياع يبث الأخبار.

  مأساة اكتملت حدتها وتفاقمت قسوتها بقصص أطفال المستنقع الآسن، على رأسهم نبيل الذي ضاق ذرعاً بمعايرته بأمه الراقصة، والاغتصاب الذي تعرض له في طفولته. لكن المخرج الفطن وكاتب السيناريو الحاذق لا يتركان المشاهد فريسة لهذه الجرعة الميلودرامية، وينتقلان مباشرة إلى يوليو 1999 تاريخ وفاة الملك الحسن الثاني وتنصيب ابنه الملك محمد السادس، واتساع رقعة الفقر والعنف والإدمان بين شباب حي الصفيح، وفساد الأجهزة الأمنية التي تعتقل حميد كنوع من تصفية الحسابات، وبعد عامين يتم الإفراج عنه بعدما أصبح عضواً في جماعات دينية متشددة، ويسعى إلى إقناع شقيقه ياشين وأصدقائه بالانضمام إلى «الأخوة»، وبعدها يتم تأهيلهم للمشاركة في تنفيذ سلسلة التفجيرات التي جرت في 16 مايو 2003.

 من الفقر والبؤس والفرحة «النادرة» في حياة المهمشين إلى تكريس بث الكراهية، وعمليات «غسل الدماغ» التي تُمارس على نطاق واسع للتغرير بالشباب والفقراء منهم على وجه الخصوص. يربط الفيلم بين أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتنامي ظاهرة التطرف الديني، والعنف المسلح، ونزع الرحمة من قلوب الشباب، وترسيخ الغلظة والقسوة في نفوسهم، وممارسة أشكال الابتزاز الديني عليهم، من خلال شرائط فيديو مصورة تزيد الاحتقان  وتؤجج العداء للآخر وتغرر بفتيان في ريعان الشباب بحجة التحذير من المخطط «الصهيوصليبي»، بينما يبقى المحرضون بعيداً عن الواجهة والمسؤولية في حال افتضاح مؤامراتهم الشيطانية!

 في مدينة تنعم بالهدوء والسكينة ويرفرف الحمام على أرضها قبل أن يحلق في سمائها، تستعرض الكاميرا معالمها وأجواءها، وكأنها نظرة الوداع الأخيرة التي يلقيها الشباب وهم في طريقهم إلى أماكن التفجيرات، بينما تشي الموسيقى الخافتة بالمأساة القريبة الحدوث، ويبدو البيانو خلالها كأنه يبكي حزناً على الشباب المغرر به.

يصل الفيلم إلى النهاية الكارثية المعروفة، وتكتمل رسالته التي تؤكد أن الفقر والتهميش الاجتماعي هما تربة خصبة للعنف والتطرف، وأن الجهل يمهد الطريق، بقوة، لدس الأباطيل وترويج المغالطات تحت ستار الدين، فلا أمل في الإفلات من براثن التطرف والعنف والاستقطاب والتغرير بالشباب، والحيلولة دون تحويل أجسادهم الطاهرة إلى «قنابل موقوتة» إلا باجتثاث الفقر والعشوائية من جذورهما ليس في المغرب فحسب وإنما في البلاد العربية قاطبة!  

back to top