عضو اللجنة العليا للإفتاء بدبي د. محمد سلطان العلماء لـ الجريدة.: الأمة الإسلامية في مأزق حضاري يهدد هويتها وكرامتها

نشر في 27-07-2013 | 00:02
آخر تحديث 27-07-2013 | 00:02
No Image Caption
أعداؤنا يخططون لإشغالنا بالحروب والفتن حتى لا نتفرغ للتنمية
أكد رئيس قسم الفقه وأصوله في جامعة الإمارات عضو اللجنة العليا للإفتاء بدبي د. محمد سلطان العلماء أن الأمة الإسلامية تمتلك كل أسباب النهضة، وعلى المسلمين أن يبحثوا عن أسباب القوة من دينهم وبحسن استخدام مواردهم والتكامل الفكري والاقتصادي في ما بينهم، وفي حواره مع "الجريدة"، أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة، قال سلطان العلماء إن المسلمين مطالبون بالتصدي لمخططات أعدائهم التي تستهدف إشغالهم عن متابعة خطط التنمية والتقدم... وإلى التفاصيل:

• كيف تُقيِّم مكانة العالم الإسلامي في سلم الحضارة الإنسانية اليوم؟

- للأسف الأمة الإسلامية لا تحتل مكانها اللائق بها في سلم الحضارة الإنسانية، والملاحظ أننا أصبحنا مستهلكين بدلا من أن نكون منتجين، ومادمنا مستهلكين فنحن نعيش على ما ينتجه الآخر، والذي لن يمنحنا سر ما ينتجه بل يعطينا ما يجعلنا نظل تحت سيطرته، ليس هذا فحسب بل إن هذا الآخر لا يمنحنا جزءاً مما ينتجه من علوم تقنية وغيرها لوجه الله، وإنما بمقابل وهذا المقابل يكون في معظم الأحيان التنازل عن كثير من هويتنا وثقافتنا وكرامتنا، ونوافق على أن نمد أيدينا لهم، بحيث تكون أيدينا هي السفلى دائماً، كل هذا يحدث للأسف رغم أن المسلمين يمتلكون كل أسباب القوة الاقتصادية والثقافية من واقع جغرافي وموارد طبيعية وثروات مادية وبشرية.

وكان من المفترض أن يؤهلهم ذلك كله لأن يكونوا في مكانة حضارية متقدمة، خاصة أنهم يدينون بالإسلام، ذلك الدين الذي يحتوي على مبادئ قادرة على بث كل سبل الحضارة في أوصال الأمة، ومن هذا المنطلق لابد أن تتضافر جهود المسلمين جميعاً للخروج من هذا المأزق، لأن الجميع يشعرون بأن هذا المكان الذي نتبوأه غير لائق حضارياً بنا، وأن سبب تخلفنا وجهلنا هو الركض خلف بعض المظاهر الكمالية والعولمة الاستهلاكية، التي يُصدرها لنا الغرب ويهرول وراءها المسلمون.

• أين المخرج من هذه الأزمة الحضارية التي وضعنا أنفسنا فيها؟

- كمتخصص في مجال العلم الشرعي أثق بأنه لن ينصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فلابد من اتباع تعاليم الإسلام بحذافيرها، لا أن ننفذ ما نحب ونترك أو نتجاهل ما نكره، فكل ما كلفنا به الله تعالى من أمور ومن تعاليم يجب أن ننفذها لأن في تنفيذها الخير كله، والإسلام ليس صلاة وزكاة وحجا، إنما معاملة وتعامل وطريق للاكتساب والعمل والسعي في الأرض، فليس هناك أدل من أن الإسلام دين عمل وليس دين كسل من قوله تعالى «وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ» (سورة التوبة الآية 105).

• إذا تقصد أن جزءا كبيرا من تخلفنا الحضاري سببه مخططات خارجية؟

- يجب ألا نبرئ أنفسنا تماما من تخلفنا، لكن أيضاً الأمر الذي لا جدال فيه أنه من مصلحة عدونا أن يشغلنا، وهو يسعى إلى ذلك ويحرص عليه لكن هذا لا يعني أن ننجر وراءه حتى لو حاول هو أن يجرني، فأين عقولنا؟

 المسلم يجب أن يدرك مصلحته ويسعى إليها، والمصلحة في ما أمر به النبي (صلى الله عليه وسلم) في العمل، إذ يقول: «إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق»، ومن هذه المكارم العمل واتقان العمل، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم): «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه».

وليس هذا فحسب بل حث النبي كذلك على عدم التهاون والتكاسل فقال: «لو قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة، واستطاع أن يغرسها فليغرسها»، فنحن اليوم مطالبون بالنظر إلى واقعنا، والسعي لأجل تحسين هذا الواقع، لكن للأسف الشديد كل خريجينا يبحثون عن وظيفة مكتبية، فهل الأمة الإسلامية في حاجة لوظيفة مكتبية فقط! بالطبع لا، فنحن في حاجة للصانع والزارع والعمل الشريف فخر وتاج على رأس كل مسلم، والمهم أن يكون عملاً شريفاً، وألا يكون عملاً فيه أكل لحقوق الناس.

وللمسلم أن يعمل في أي شيء، وسيحظى بالنجاح إن شاء الله، ولابد من التنازل عن الغطرسة التي تحكم تعاملنا بين بعضنا، ونحن والحمد لله ديننا واحد وأمتنا واحدة ولساننا واحد، أي إن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، فعيب علينا أن تتوحد أوروبا، التي كانت على مدار قرون طويلة مكاناً للتناحر، وتقيم اتحاداً بين شعوبها التي تختلف لغاتها وثقافاتها، في حين نعجز نحن عن تحقيق هذه الوحدة رغم توافر كل مقومات نجاحها.

• تُطرح بين حين وآخر قضية التجديد الفقهي... كيف تنظر لهذه القضية، وهل نحن بحاجة فعلية لتجديد الفقه؟

- التجديد الفقهي ضرورة من ضروريات الدين والرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: «إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يصلح لهذه الأمة أمر دينها»، والإسلام جاء بعموميات حتى يمنح الناس فرصة تكييف أوضاعهم حسب الزمان والمكان، فعلى سبيل المثال يقول الله تعالى في (سورة البقرة الآية 275): «وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا».

ومع البيع الذي أحله الله هنا يأتي دور العلماء، فإذا نظرنا في كتب الفقه القديمة، سنجد تعريفهم للبيع قد لا يتناسب مع وضعنا الراهن، فهناك مثلا مكان أنت لا تحتاج فيه لبائع يبيع لك، بل تتعامل مع آلة تضع فيها المال لتأخذ السلعة التي تريدها، فلو طبقنا ما جاء في الكتب الفقهية القديمة على تلك العملية فسنفاجأ بأن هذا البيع باطل وفق أحكام الفقهاء القدامى.

وقس على ذلك أموراً عدة، لأن الأمور تتغير بسرعة، والعلم يتقدم بقوة، واستحدثت في حياة الناس أمور كثيرة، منها مثلا قضية زراعة الأعضاء وتأجير الأرحام، فلن نجد لتلك القضايا ذكرا في آراء الفقهاء القدامى، وبدون التجديد الفقهي لن نستطيع القول إن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان.

• هذا يجرنا إلى الحديث عن فوضى الفتاوى وتضاربها خاصة في مسألة فوائد البنوك التقليدية وهل هي من قبيل الربا أم لا؟

- فوضى الفتاوى لا تأتي إلا في المسائل الاجتهادية، لأن الثوابت لا يستطيع أحد أن يمسها، والاختلاف في المسائل الاجتهادية أمر طبيعي ولا بأس فيه، بل هو من قبيل الرحمة، بشرط أن يكون من يفتي بالحلال ومن يفتي بالحرام كلهم من العلماء المؤهلين للإفتاء.

ونحن كعلماء للشريعة كما لا نجيز لأنفسنا الخوض في الأمور الطبية أو الهندسية احتراما للتخصص نطالب بألا يتجرأ على الدين من هو ليس بمتخصص فيه، لأننا للأسف لاحظنا في الفترة الأخيرة أن هناك من يتجرأ على الفتوى بغير علم تحت ذريعة أن الدين للجميع، وهي مقولة حق يراد بها باطل، لأن الدين نعم للجميع ولكن الفتوى ليست للجميع، فمعرفة حكم الله تعالى في أمر ما يحتاج لثقافة ودراية ومؤهلات عدة، لا تتوافر في كثير ممن يتصدون للفتوى.

وللأسف تلعب وسائل الإعلام دورا في مساعدة هؤلاء على التجرؤ على الدين، لأن وسائل الإعلام أصبحت توزع الألقاب دون مقياس، فهذا هو المفكر الإسلامي الكبير، وذاك هو العالم الفذ إلى آخر تلك الألقاب التي جرت علينا الكثير من الكوارث، فهناك فتاوى عديدة لا ينبغي أن يتصدى لها فرد واحد، مهما كان علمه، لكننا نفاجأ بمن يتصدى لها دون وازع من ضمير.

back to top