البلد في حالة استنفار دائم، لا تكاد تنتهي قضية حتى تتفجر أخرى قبل أن تسحب سابقتها تلابيبها، ودون أن نعرف حقيقة ملابساتها وعلى ماذا انتهت، ومازلنا نتساءل عن قضية الداو، عمن هو الجاني والمجني عليه؟ ومشكلة القروض التي لم نعلم من المتجاوز على القوانين فيها ومن المتستر عليه؟ وترقيات النفط، وعشرات القضايا والأزمات الأخرى، والمصيبة أن هذا الجدل لا يدور حول مشروع وطني شامل للبلد، بل حول مكاسب غالباً ما تكون شخصية أو فئوية، وكلها تشير إلى حالة متفشية في البلد وهي بالتحديد حالة "الجشع".

Ad

"الجشع" في بلدنا طغى على النفوس، وأصبح وباءً خاصة في فترة ما بعد تحرير الديرة من الغزو العراقي، الناس أو فئة محددة أضحت لا تشبع، وكانت بدايته جلية في البيئة التي نعيش فيها، فمدينة الكويت المخططة نموذجياً أصبحت أحياؤها الجديدة حواري وزواريب بسبب جشع ملاك الأراضي من أصحاب النفوذ عبر تقليص مساحات المرافق العامة والشوارع لفرز مزيد من القسائم للبيع رغم مئات الملايين التي يجنونها من احتكاراتهم، وصاحب المنصب "مشلب" فيه بلا فكاك، والسياسي حاله كذلك بكرسيه، ومهنة الطب الإنسانية أصبحت "بزنس" بشكل مقرف وإعلانات أربابها تملأ الصحف أكثر من محلات النوفوتيه والسوبر ماركت، وصراع الكبار على المشاريع المعطلة في البلد والضرب تحت الحزام للحصول عليها بمبالغ خيالية أقسى من ضربات مصارع الساموراي في المصارعة اليابانية، وهي الظواهر التي جعلت السفيرة الأميركية السابقة ديبورا جونز تتنبأ في تقريرها الشهير إلى حكومتها أن تنتهي الكويت عام 2020 بسبب بعض أبنائها.

وموظفو الدولة الذين تعتبر إنتاجيتهم الأدنى في العالم وصلت معدلات جشعهم إلى السماء بالمطالبة بالكوادر والزيادات المالية اللامتناهية، بل إن الدولة تمنح مكافآت بعشرات آلاف الدنانير ليترك قياديون مواقعهم التي يشغلونها منذ عشرات السنين، وتصرف أيضاً مبالغ ضخمة لموظفي مؤسسة حكومية أفلسوها وحطموها (الخطوط الكويتية)، بل إن الإنسان في الكويت لا يجد رصيفاً يمشي عليه لأن مالك العقار يستولي على كل الفراغات حول عقاره في حالة يندر أن يكون لها مثيل في العالم، وهو ما يعكس ببساطة ودون تنظير السلوك السائد، ونفسية المواطنين التي تميل إلى المنفعة الشخصية للتملك والحيازة حتى لو أدى ذلك إلى خراب المنفعة العامة وتدميرها.

في الكويت – بأسى أقولها- أصبحت الأغلبية منا جشعة لا تملك مشروعاً وطنياً بل مشروعاً شخصياً للنفوذ والثروة، لذا لا يجوز أن نستمر في خداع أنفسنا، لأننا في حفلة كذب كبرى، فلا الحكومة ولا المعارضة ولا قوى النفوذ الاقتصادي والاجتماعي في البلد لديها مشروع وطن بل لديها مشاريع ذاتية لكل شريحة منها تتعلق بالثروة أو السلطة، فحالة الجشع أصبحت سمة مجتمعنا الذي يطحنه جدل المناصب والمشاريع والعمولات، ولذلك فإن حالة التردي والأزمات لن تنتهي حتى تنهض قوى اجتماعية بمشروع وطني كبير لإصلاح حقيقي بعيداً عن كل ارتباطات واقعنا المعيش وطاقمه الحالي من قوى سياسية ونخب اجتماعية والطبقة السياسية التي تدير شأننا العام.