يتحدث المتابعون عن قرب لتطورات الوضع اللبناني، عن هجمة سياسية وإعلامية وأمنية وعسكرية يقودها حزب الله منذ انفجار السيارة المفخخة في منطقة الرويس في ضاحية بيروت الجنوبية الأسبوع الماضي، في محاولة للاستفادة من الانفجار واستثماره في تعزيز حضوره السياسي والأمني وتدعيم وجهة نظره من التعاطي مع الملفات الداخلية والإقليمية.

Ad

ويلفت المراقبون الى أن الحزب سارع الى تنفيذ عملية إعادة انتشار أمني وسياسي وإعلامي شملت محازبيه وأنصاره والسياسيين والإعلاميين الدائرين في فلكه من خلال «أمر عمليات» وزع من خلاله مهمات الاتهام والتعبئة والدعاية السياسية وترويج المعلومات على نحو يحرج الخصوم السياسيين، ويشل حركتهم، ويستبق أي محاولة تهدف الى معالجة المخاطر الأمنية من خلال تعزيز منطق الدولة ومؤسساتها على حساب الدور الأمني والعسكري المستقل لحزب الله وأجهزته.

وتشبه جهات سياسية لبنانية تسعى منذ فترة الى لعب دور «ضامن التوازن» بين الفرقاء السياسيين اللبنانيين الموزعين بين «قوى 14 آذار» و»قوى 8 آذار» استراتيجية حزب الله المعتمدة في المرحلة الراهنة التي يجتازها لبنان أمنيا وسياسيا بتلك التي اعتمدها الحزب في حرب تموز 2006، مذكرة بالسؤال الذي سبق لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط أن طرحه في تلك الفترة: «ماذا بعد نجاح حزب الله في الصمود أمام إسرائيل؟ وهل سيكون الانتصار للبنان أم للحزب؟».

وترى هذه الجهات أن أداء الحزب يشير الى أنه في صدد تحضير الأجواء السياسية والإعلامية والرأي العام اللبناني لهجمة جديدة على خصومه السياسيين وبالتالي على منطق الدولة اللبنانية ومؤسساتها شبيهة بالهجمة التي شنها بعد حرب تموز 2006 في شكل تصاعدي وانتهت باحتلال بيروت في «7 أيار» 2008 بحجة «مواجهة مشروع طعن المقاومة في ظهرها ومحاولة استهدافها من الداخل بعدما فشل مشروع التواطؤ مع الخارج لاستهدافها عبر الحرب الإسرائيلية عليها في صيف عام 2006».

وانطلاقا من هذه المقاربة، يبدي المراقبون اعتقادهم بأن الحزب وجد في انفجار الرويس مناسبة لتنفيذ «عملية عسكرية – أمنية» تقضي بالانتشار المسلح في الضاحية الجنوبية ومحيطها، وبتعزيز انتشاره الأمني - الاستخباراتي في معظم المناطق التي يراها حيوية على مرأى من السلطات الرسمية وأجهزتها ومسمعها، بحجة منع المزيد من التفجيرات، وأرفق انتشاره الميداني الواسع بحملة سياسية إعلامية وبكمية من المعلومات غير الدقيقة عن الجهات المسؤولية عن عمليات التفجير والشبكات الإرهابية والجهات التي تقف وراءها لمحاصرة خصومه المحليين وفرض تنازلات سياسية عليهم بحجة ان رفض منح هذه التنازلات يعني تغطيتهم للعمليات الإرهابية والتفجيرات التي تستهدف أكثر من منطقة لبنانية ولا سيما الضاحية الجنوبية.

ولا يسعى حزب الله من خلال خطته الأمنية – العسكرية – السياسية – الإعلامية الى تحييد الجيش اللبناني فحسب، بل الى وضعه في خندق واحد الى جانب الحزب باعتباره أحد المستهدفين، في حين يسعى إلى الاستفادة من اختصاص شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي وقدراتها على كشف الشبكات الإرهابية ومن قدرات الأمن العام اللبناني لتعزيز حماية المناطق الخاضعة لنفوذه.

وفي ضوء هذه الصورة، يتوقع المراقبون ان ينتقل حزب الله في غضون الأيام القليلة المقبلة الى محاولة صرف المكاسب الميدانية التي حققها على الأرض في اللعبة السياسية. ويرى المراقبون ان حركة الحزب الميدانية توازي بالمفهوم العسكري السيطرة على بيروت في «7 أيار» 2008، وتفوق بكثير حركة القمصان السود التي بدلت موازين القوى النيابية ومنعت عودة رئيس الحكومة السابق زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري الى الحكم قبل أكثر من سنتين ونصف السنة. وبالتالي فإن ملف تشكيل الحكومة في لبنان لابد أن يتأثر بالأمر الواقع الجديد، لاسيما في ضوء اتهام تيار المستقبل بتشكيل البيئة الحاضنة وتأمين الأجواء التحريضية للتكفيريين المسؤولين عن العمليات الإرهابية، وفي ضوء الاتهام الموجه الى المملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى بتحريكهم، وفي ضوء اضطرار النائب وليد جنبلاط الى التراجع عن دعم حكومة حياديين بعد رسائل سياسية وإعلامية عدة وصلت إليه قبل الانفجار الأخير فحواها أن الشوف وعاليه أصغر من القصير التي سبق لحزب الله ان شارك في معارك السيطرة عليها الى جانب الجيش السوري النظامي قبل أسابيع قليلة.