نادِني: يا مِنّي!

نشر في 03-10-2013
آخر تحديث 03-10-2013 | 00:01
 مسفر الدوسري الجزء لا يفقه السرّ المقدّس لما هو جزء منه، إذ كيف يكون الجزء هو الكلّ؟!

نقطة الماء... ليست البحر، ولا نتّقيها بمظلة فوق رؤوسنا،

ورقة الشجر ليست الشجرة،

الفراشة ليست حديقة الأزهار،

الغيمة ليست السماء،

كرسي الانتظار في صالة المسافرين ليس السفر،

دعوات أمهاتنا الطيبات ليست المغفرة،

ريش الأجنحة ليس الأفق،

كذب الأطفال البريء ليس الطفولة،

الشمعدان ليس النور،

وقطعاً الأمنيات المشتهاة، ليست أنتِ!

لذا كُفّي عن مناداتي بـ: يا أنا، ونادِني: يا منّي.

عندما تناديني بــ: يا منّي

أحس بفرح عشبة بحرية لكونها تغتسل بماء البحر وتجاور ما تخبئه الأصداف في علب مجوهراتها،

أحس بما يشبه الهديل الذي يعرف أن لرأسه بعد مغيب الشمس وسادةً آمنة في حضن شجرة،

أشعر بأني وُلدت من جديد مع كل نداء،

وبأن مُهراً في قلبي يرفع رأسه مزهوّاً بنسبه،

أشعر بأن نداءك يسيل بداخلي ليشربني، فأرتوي أنا!

عندما تناديني: يا منّي...

تخرج قبائل الفَراش من مسَام جسدي، وأسراب النوارس من ماء عيوني،

تتناسل قصائدي العذراء تحت كل نخلة في غابة نخيلك،

تُزهِر النجوم على شرفة مسائي،

يصبح شوقي غذاءً شهيّا... للعسل، وعذوبة يتمنّاها الماء!

جنيّات البحر يخْتَرن ساحل أغنياتي مجلساً لسَمَرهِن،

الأغاني تختار صوتي رسولاً يحمل البشائر المضيئة للعشاق المنتظرين على شبّاك المواعيد المؤجلة،

الشجر في قلبي لا يموت واقفاً، لأنه أصلاً لا يموت،

تسمّيني الصباحات القادمة من الشرق بــ"الشفيع"! لأني اعتدت أن أقرّب شفتاي من كفّيك في بداية كل يوم،

تظن تلك الصباحات أنني حين أفعل ذلك، إنما لأُملي على كفيك قائمة بأسماء المنتخبين لمصافحتك ذلك اليوم، لذلك تسمّيني تلك الصباحات بالشفيع!

لم أفلح في إقناعها أن كل ما أفعله هو تقبيل كفيك شكراً وامتناناً لأني بهذا القرب منك، عندما تناديني: يا منّي!

عندما تناديني: يا منّي...

أتخيّلني صوتك، أو ربما فِطنة موسيقاه، أو ربما جزءا من سمائه التي عرضها القلب،

أتخيّلني..

سكّر حديثك،

ضوء ضحكتك القزحي،

لون شَعرك،

طُهر عينيك،

ما تبقى من نقش حناء الفرح في راحة صبرك، وما تبقى في أهدابك من العصافير،

أتخيّلني...

جزءا من حقول القرنفل التي يتأبطها هواك،

جزءا من برزخ عينيك، حيث يلتقي بهما الليل والنهار ولا يبغيان!

جزءا من حرير جسدك،

رغوة بحرك،

باقة الورد التي تضعينها في قبضة أنفاسك كلما همّت بالخروج للنزهة،

صورة فوتوغرافية على جدار ذاكرتك ضمن صوَرٍ قليلةٍ بقيت عصية على هوس الزمان بتغيير ديكور الذاكرة واكسسواراتها كل حين!

عندما تناديني يا منّي..

أتخيّلني سرّك الصغير،

أو بعض أمنياتك..

أنا أصغرُ من أن أكون أنتِ، وأكبر منّي حين أكون منك!

back to top