إذا استمر الوضع السياسي في الكويت على ما هو عليه من أخطاء إجرائية سببها القصور أو التقصير، وأبطالها المستشارون في حكومتنا الرشيدة، وانقسامات مجتمعية وقودها ملوك الطوائف من الطرفين، وصراع أسرة، واستنزاف لخيرات البلد، فمن الوارد جداً أن يصبح عدد أختام الانتخابات في شهادة الجنسية للمواطن الكويتي المغلوب على أمره أكبر من تلك التي تختمها المنافذ الحدودية على جواز سفره!

Ad

وها نحن نقف اليوم على أعتاب انتخابات برلمانية ثانية تجري وفق قاعدة "الصوت الواحد" (الذي لا نختلف عليه كمبدأ انتخابي معمول به في كثير من الدول الديمقراطية)، لكن ننتقد الحكومة وفريق المستشارين الذي لم يتعب نفسه كثيراً في إخضاعه لدراسات علمية وقانونية حقيقية، فما زالت الأبواب مشرعة أمام طعون انتخابية جديدة مع احتمالية (طلقة ثالثة) وإبطال جديد للمجلس القادم على الرغم من حكم المحكمة الدستورية الأخير الذي لم يحصن مرسوم "الصوت الواحد" صراحة وفق آراء بعض الخبراء الدستوريين المعتبرين!

لذلك علينا الاعتراف بأن اختزال سبب الأزمة التي نعيشها بآلية التصويت (صوت واحد أو أربعة أو حتى عشرة) ما هو إلا تسطيح للأزمة وضحك على عقول البشر!

نعم، إن آلية اختيار أعضاء المجالس التشريعية أمر مهم جداً، إلا أن أساليب التفتيت المجتمعي والشحن الطائفي والعنصري والقَبلي المنتشر حولنا، الذي يصل إلى حد الذروة في كل انتخابات برلمانية، يعتبر أمراً خطيراً جداً، والمؤشر الأخطر هو سكوت الحكومة التي هي المهيمن على الأمور والمسؤول الأول عن التصدي لتلك الممارسات، بل تغذية بعض المتنفذين فيها لذلك السلوك سعياً وراء النفوذ والكرسي والسلطة، وبغطاء ديمقراطي!

بناء على ما سبق، وبسبب التعاطي مع الديمقراطية والدستور كديكور نتفاخر بهما في المحافل الدولية، ونهمل أهم مقوماتهما داخلياً، فلا مساواة فعلية في الحقوق والواجبات ولا تكافؤ فرص ولا حرية اعتقاد حقيقية، حيث فرّغ المتنفذون دستور ٦٢، الذي لم يؤمنوا به يوماً، من أجمل محتوياته. الأمر الذي نتج عنه انغلاق مكونات المجتمع على نفسها، وسعي كل جماعة إلى إيصال ممثل عنها إلى مركز القرار أو "الملعب" المتمثل بمجلس الأمة! فالقنوات الرسمية مسدودة أمام المواطن البسيط، والأبواب الموصدة لا تفتح في معظم الأحيان إلا بمقابل، والبيروقراطية المفتعلة أمام أبسط المعاملات لا تزول إلا بـ"افتح يا سمسم".

من هنا، سعى المكون "الشيعي"، حاله في ذلك حال بقية مكونات المجتمع الكويتي، إلى إيصال أكبر عدد ممكن من "الممثلين" إلى قبة "عبدالله السالم" علّه يحصل على بعض حقوقه الدستورية كمواطن. وقد تمكن الشيعة في الانتخابات الأخيرة، وبسبب المقاطعة، من إيصال ١٧ عضواً إلى البرلمان، الأمر الذي يصعب بل قد يستحيل تكراره مجدداً.

إلا أن هذا المواطن الذي استدرجته المكائن الانتخابية على مر السنين إلى ضرورة التصويت للأقوى وإيصال أكبر عدد ممكن من أبناء الطائفة، قد فوجئ بأن أكبر مكتسب تم الحصول عليه في المجلس المبطَل الأخير لم يكن سوى أكذوبة "الاستقرار السياسي" التي حاول بعض الأعضاء التستر خلفها للتغطية على الخيبة و"الحال المايل"!

كما أن "المواءمة السياسية" قد منعت معظمهم من المطالبة بحقوق "الطائفة" خلال عمر المجلس القصير، ولم يتحركوا بهذا الاتجاه إلا لدغدغة مشاعركم مجدداً بعد اتضاح الصورة والحقيقة المرة المتمثلة بالإبطال الثاني والخروج "من الموُلد بدون حمّص"!

تأكد أيها المواطن "الكويتي" الشيعي أن حقوقك تنبع من مواطنتك، وأن حرية اعتقادك مطلقة بنص دستوري صريح (المادة ٣٥) لا يملك أن ينازعك عليها أحد، وأن مكتسباتك وحقوقك وواجباتك لا تختلف عن تلك التي يستحقها غيرك من المواطنين.

واعلم أن أولئك الذين يستجدون صوتك باسم الطائفة وحقوقها ومظلوميتها ما هم سوى "تجار دين" لن يتورعوا عن بيع حقوقك بأرخص الأثمان عند أول صفقة تمر أمامهم، شخصية كانت أم حزبية! وأن أزمتنا لن يصلحها إيصال أكبر عدد ممكن من "الممثلين"، بل عن طريق تغيير ثقافة "الله لا يغير علينا" التي يرددها الفقراء من السياسيين.

خربشة:

المشاركة بالانتخابات تكون "جهاداً" عندما تصب في مصلحتك فقط!