إبراهيم عبد المجيد سارد من زمن الأدب الجميل .. حكّاء الإسكندرية
ينتمي الأديب إبراهيم عبدالمجيد إلى جيل الستينيات من القرن الماضي، المرتبط بالنهضة الأدبية، مترجماً المناخ العام لمدينة الإسكندرية - مسقط رأسه- وجغرافيتها، عبر نتاجه السردي المنوع، راصداً موضوعات مهمة تؤرق معظم شرائح المجتمع.
يحتفي ملتقى «الثلاثاء» بتجربة الأديب إبراهيم عبد المجيد السردية، وهو أحد أبرز الأدباء في العالم العربي، ومسيرته زاخرة بالأعمال الإبداعية المهمة، فضلاً عن أنها ترجمت إلى الكثير من اللغات العالمية.حاز عبد المجيد جوائز عدة، أبرزها جائزة الدولة التقديرية في مصر، وجائزة نجيب محفوظ في الرواية من الجامعة الأميركية وجائزة ساويرس لفئة كبار الكتاب. وهو ينتمي، حسب التصنيف الجيلي، إلى جيل الستينيات الأدبي في مصر، ذلك الجيل الذي شهدت الآداب والفنون نهضة كبيرة على أيدي مبدعيه ومنهم بهاء طاهر وجمال الغيطاني ويوسف القعيد وغيرهم.
لا يذكر اسم عبد المجيد إلا وارتبط به مصطلح السرد الجميل والحكي المميز، فهو حكاء مدينة الإسكندرية التي خصص لها ثلاث روايات، وهو أحد أوائل من أرخوا لطبقة العمالة المهاجرة في روايته البلدة الأخرى وكان مسايراً لعلوم المستقبل والتكنولوجيا، كما بدا في روايته كل أسبوع يوم جمعة. حكّاء الإسكندريةيحمل عبدالمجيد نسمات الإسكندرية أينما حلّ، ولا يرى أنه يملكها وحده بل يقول دوماً «لكل واحد إسكندريته»، وهي المدينة التي ولد فيها وتعلم من والده فن الحكي والقصص، فكان يقرأ له قصص الذكر الحكيم وهي المدينة التي يراها عبدالمجيد مفتوحة تتزين وترتدي باستمرار حللاً جديدة من دون أن تنسى أثوابها القديمة، وقد تزينت أخيراً بحلة جديدة بعد ثورة يناير حيث رفعت الشعارات التي افتقدها الشعب المصري منذ ثورة يوليو، وهي المدينة المعاكسة أيضاً، بحسب وصفه لأن قدرها دائماً إنها تقف ضد حكامها.في ثلاثيته «لا أحد ينام في الإسكندرية» و{طيور العنبر» و{الإسكندرية في غيمة»، يرصد الأديب تاريخ المدينة وتحولاتها. في الأولى، التي نالت جائزة أحسن رواية في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1996، يتناول تاريخ المدينة خلال الحرب العالمية الثانية، فيما يرصد في الثانية الأحداث غداة إعلان تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وخروج الأجانب بالآلاف، وما أحدثه هذا التغيير المفاجئ في التحول شبه الكامل لهذه المدينة الكوزموبوليتانية التي كان يعيش فيها المصريون واليونانيون والإيطاليون والفرنسيون والإنكليز واليهود وغيرهم في تجانس وسلام تام، ولتتحول أسماء شوارعها فجأة من كفافيس وبابادوبلو وهيرودوت إلى عمرو بن العاص وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص، وشوارع أغاممنون وأخيل ورمولوس وفيلوكتيتس إلى خالد بن الوليد والمثنى بن حارثة الشيباني وموسى بن نصير وطارق بن زياد. وفي «الإسكندرية في غيمة»، يرصد طبائع المدينة وتحوّلها مع نزوح الريفيين القادمين بخبرات الإعارة ونقلهم للفكر المتطرف المدينة. ويقول عبد المجيد عن ثلاثيته: «كنت ألاحظ أن الإسكندرية تتدهور. لم نحافظ على جغرافية المدينة وفقدت الكثير من مناخها. أكتب عن بداية الهجوم على الإسكندرية فكرياً وتغيير شكلها وملامحها وجغرافيتها، بل حتى مناخها».تعود مسيرة عبد المجيد إلى «الصيف السابع والستين»، الرواية الأبرز في بداياته وقد كتبها بعد حرب 1967 وقدمته إلى الحياة الأدبية، رواية تمزج بين ما يحدث على الجبهة أثناء الحرب وما يحدث بين جماعة من الشباب مختلفي الاتجاهات السياسية ويجمع بينهم موقع للدفاع المدني في إحدى الشركات البحرية، حجم المأساة وحجم الدمار وحجم الفوضى وحجم الأمل. اتبع عبد المجيد فيها تقنية الكولاج السياسي المباشر، الذي تخلى عنه لاحقاً في أعماله الأخيرة، مؤكداً أن تلك كانت حدود الكتابة بالنسبة إليه في البدايات، حيث تأثير الضغط الفكري والروحي والنفسي الذي خلّفته النكسة. أما في كتابته الآن فهو حسب قوله: «لا يلقي بالاً للمعاني والأحداث السياسية المباشرة».غربةيرى نقاد أن شخصيات أعمال عبد المجيد لا يمكن تصنيفهم بسهولة، لأن القارئ يشعر بأنهم شخصيات من لحم ودم ويسيطر عليهم الشعور بالغربة والاغتراب. ففي روايته «في كل أسبوع يوم جمعة» شعور بالغربة عن العالم، البطل إنسان بسيط وعادي يعيش على الهامش، ولو كان مثقفاً فهو عاجز عن التأثير، الكل يحاول تغيير الواقع. وشخصيات روايته «عتبات البهجة» بسطاء في مشاعرهم، أبرياء في استقبال العالم حولهم، وحيدون يلوذون ببعضهم، ينتصرون على القسوة التي تحاصرهم بالدهشة الدائمة التي تتجلى في أكثر من أسلوب من السخرية، إلى روح الدعابة إلى القلق إلى الوداعة والرضا، مجسدة لمحفل قديم تختلف فيه طرق الناس للانتصار على الوقت بالاستمرار فيه أو الخروج منه، إنها رواية عن غربة وحيرة الإنسان في العالم، رغم ما ينسكب منها من فكاهة.ولد إبراهيم عبد المجيد سنة 1946 في الإسكندرية، وحصل على ليسانس الفلسفة من كلية الآداب جامعة الإسكندرية عام 1973. في العام نفسه، رحل إلى القاهرة ليعمل في وزارة الثقافة، وتولى الكثير من المناصب الثقافية من بينها: مستشار في «هيئة الكتاب»، مدير عام إدارة الثقافة العامة، رئيس تحرير سلسلة «كتابات جديدة»، ومدير عام مشروع «أطلس الفولكلور».صدرت له روايات عدة، من بينها: {ليلة العشق والدم، البلدة الأخرى، بيت الياسمين، ثلاثية الإسكندرية، عتبات البهجة}... وغيرها. كذلك نشرت له خمس مجموعات قصصية، أبرزها {الشجر والعصافير}، {إغلاق النوافذ}، {فضاءات}، و{سفن قديمة}.ترجمت {البلدة الأخرى} إلى الإنكليزية والفرنسية والألمانية، و{لا أحد ينام في الإسكندرية} إلى الإنكليزية والفرنسية، و{بيت الياسمين} إلى الفرنسية.