اليابان تشق طريقاً وعراً إلى الانتعاش بعد عقود

نشر في 31-05-2013 | 00:01
آخر تحديث 31-05-2013 | 00:01
No Image Caption
النجاح رهن إصلاح هيكلي أعمق... وتغييرات السياسة ستؤدي إلى زعزعة الاستقرار

لايزال المستثمرون يعتقدون أن بنك اليابان والحكومة اليابانية، جادان بخصوص السياسات الجديدة التي تبنياها. ربما لا تكون هناك علاقة تُذكر بين السياسات الجديدة، وبين النمو الاقتصادي الذي سجلته اليابان في الربع الأول، لكنها أنباء تبعث على البهجة، كذلك.

في الأسبوع الماضي دخلت جهود اليابان لتحريك اقتصادها طريقاً وعراً. ارتفعت العوائد على السندات وتراجعت أسعار الأسهم. على الفور أعلن البعض فشل أسلوب اقتصادات آبي (أي الإصلاحات التي أطلقها شينزو آبي رئيس وزراء اليابان)، هذا أمر يبعث على الاستهزاء. من الممكن أن تفشل اقتصادات آبي، لكنها لن تفشل بسبب ارتفاع عوائد السندات أو اهتزاز سوق الأسهم، بل على العكس، حتى تتعافى اليابان اقتصادياً لا بد من ارتفاع عوائد السندات، وستظل سوق الأسهم دائماً تمر باهتزازات. برنامج الانتعاش الاقتصادي الذي تحتاج إليه اليابان بشدة سيعاني المخاطر، لكن الأسبوع الماضي لم ينبئنا بشيء يُذكر عنها.

صحيح أن العوائد على السندات اليابانية لأجل 10 سنوات كانت عند 347 نقطة أساس (أي 0.374 في المئة) أعلى مما كانت عليه في 6 مايو، لكنها مازالت عند 0.91 في المئة فحسب، وهو المستوى الذي كانت عليه قبل ما يزهو على عام. وخلال الفترة من 22 إلى 27 مايو تراجع مؤشر نيكاي بنسبة 9.5 في المئة. لكن هذا جاء في أعقاب قفزة بنسبة 80 في المئة بين 13 نوفمبر 2012 و 22 مايو 2013. صحيح أن الين ارتفع قليلاً مقابل الدولار في الأسبوع الماضي، لكنه مازال أدنى بنسبة 23 في المئة عن مستواه الذي كان عليه في أوائل أكتوبر 2012.

تقلبات قصيرة الأمد

كيف يمكن تفسير هذه التحركات، بخلاف قولنا إنها تقلبات قصيرة الأمد لا معنى لها على الأرجح؟ يجادل بول كرجمان، من "نيويورك تايمز"، بأنه إذا لم يكن التراجع في سوق الأسهم مجرد صخب وغضب، فإما أن يكون علامة على المخاوف من أن النمو الاقتصادي كان أضعف من المرجو، أو مخاوف حول السندات اليابانية، أو مخاوف حول عزم وتصميم بنك اليابان.

الرأي الأول يمكن أن يفسر التراجع في سوق الأسهم، ولكن ليس القفزة في عوائد السندات. ويمكن أن يفسر الرأي الثاني الارتفاع في العوائد، وليس ارتفاع الين. لكن الرأي الثالث يمكن أن يفسر ارتفاع عوائد السندات وتراجع سوق الأسهم وارتفاع سعر الصرف – وكلها استجابة لسياسة نقدية أكثر تشدداً من السياسة الموعود بها الآن. وخلُص إلى أن الرأي الثالث هو أقرب التفسيرات إلى الصحة. مع ذلك هذا تحليل للأمد القصير للغاية. في الأمد الطويل، تظل عوائد السندات أعلى بكثير من مستواها فوق نقطة الحضيض، التي كانت قريبة من 0.4 في المئة، وكانت سوق الأسهم أعلى بنسبة 63 في المئة عن المستوى الأدنى المسجل في نوفمبر، في حين أن الين تراجع مسافة بعيدة عن مستويات الذروة التي سجلها في الفترة الأخيرة.

سياسات جديدة

وتشير هذه الصورة الأرحب إلى أن المستثمرين لايزالون يعتقدون أن بنك اليابان والحكومة اليابانية، جادان بخصوص السياسات الجديدة التي تبنياها. ربما لا تكون هناك علاقة تُذكر بين السياسات الجديدة، وبين النمو الاقتصادي الذي سجلته اليابان في الربع الأول من العام بنسبة 3.5 في المئة بالمعدل السنوي. لكنها أنباء تبعث على البهجة، كذلك.

وعليه، لا مفر من أن تؤدي التغييرات في السياسة اليابانية إلى زعزعة الاستقرار. يعتقد عدد من أعضاء مجلس الإدارة في بنك اليابان، أن موقف السياسة النقدية مثير للحيرة، لأن الهدف هو رفع التضخم وتخفيض أسعار الفائدة. كذلك أدى التقلب في سوق السندات إلى انتقاد هاروهيكو كورودا، المحافظ الجديد للبنك المركزي. يجادل البعض بأن الخسائر التي منيت بها البنوك في محافظها من السندات الحكومية اليابانية، ستضعف قدرتها واستعدادها للإقراض الذي يؤدي إلى الانتعاش الاقتصادي.

من جانب آخر، تأتي الانتقادات ضد تراجع الين من الخارج. يتفق كثيرون، خصوصاً في شرقي آسيا، مع التحذير الذي أطلقه ديفيد لي، من جامعة تسينجهوا، من أن "العالم شاهد فقط تخفيضاً حاداً للين" وليس ارتفاعاً في التضخم الياباني. هذا التخفيض غير منصف للبلدان الأخرى ولا يمكن استدامته. في رسالة إلى "فايننشال تايمز": رد تاكاشي إيتو من طوكيو قائلاً: "من رأيي أنه أمر لا يحتمل، فالبلدان التي خفضت عملتها أو تلاعبت بها تستطيع اتهام اليابان بتخفيض الين". حسبما أرى فإن هذا يشبه بالفعل بداية حرب العملات.

كيف نحكم على هذه السجالات؟ أولاً، إن تصميم اليابان على إنهاء الانكماش الاقتصادي واستعادة النمو ينبغي أن يؤدي إلى ارتفاع العوائد على السندات الحكومية اليابانية.

ان الاقتصاد الذي تبلغ نسبة التضخم السنوية فيه 2 في المئة لن تكون أسعار فائدته في الأجل الطويل، متدنيةً عند مستوى نصف نقطة مئوية. بالتالي فإن القفزة الصغيرة في أسعار الفائدة في الأسبوع الماضي ليست دلالة على إخفاق السياسة، بل إنها مؤشر مبدئي على نجاح السياسة الجديدة. لكن من المهم تماماً ألا ترتفع أسعار الفائدة بأكثر من التضخم المتوقع إذا أردنا أن تهبط أسعار الفائدة الحقيقية، حسبما تدعو الحاجة. ولا بد لبنك اليابان من أن يعطي توجيهاً بخصوص المسار الذي ستتخذه أسعار الفائدة في الأجل الطويل. ينبغي أن يكون البنك راغباً في الشراء بلا حدود حين تتجاوز أسعار الفائدة سقفاً معيناً (نفترض أنه سيكون متحركاً).

فائدة صفرية

وبإمكانه مساندة السياسة النقدية بالإشارة إلى فترة يحافظ خلالها على أسعار فائدة صفرية على الأجل القصير، مع احتمال التدخل لتغيير الأسعار. ربما تظل أسعار الفائدة عند الصفر، على سبيل المثال، إلى أن يصل مستوى الأسعار (وليس معدل التضخم) إلى مستوى محدد. بهذه الطرق، يمكن أن ينجح بنك اليابان في إرساء درجة من قابلية التوقع. ثانياً، تحتاج الحكومة وبنك اليابان إلى العثور على طريقة جيدة لإدارة جبل السندات الحكومية اليابانية. لا بد أن تكون الخطوة الجذرية في التسييل جزءاً من أي حل. على الأرجح سيتطلب هذا ارتفاعاً دائماً في متطلبات الاحتياطي المفروضة على البنوك، وسيكون هذا عبئاً على المودعين فيها. لكن من المنطقي في اليابان دفع البنوك إلى تقديم قروض دائمة ورخيصة للغاية إلى الحكومة، على اعتبار أن آفاق النمو ليست جيدة، ومن غير المرجح حدوث انتعاش في اقتراض القطاع الخاص، كما أن كومة الدين العام هائلة للغاية.

كذلك من الممكن أن تؤدي العوائد الحقيقية المنخفضة (وربما السلبية) على ودائع البنوك إلى تراجع الين، وارتفاع أسعار الأصول، وارتفاع الإنفاق من القطاع الخاص، هذه جميعاً آثار مرغوبة. ثالثاً، مشاعر القلق حول الأثر المترتب على تراجع الين مفهومة. إن زيادة الفائض في الحساب الجاري هو طريقة للتعويض عن الفائض في قطاع الشركات اليابانية، كما قلتُ في مقالي بتاريخ بعنوان: "ثورة يابانية ناقصة على جبهة السياسة النقدية" (نُشر في عدد الاقتصادية 11 أبريل 2013).

الصين والعملات

لكن تشارلز دوما، من "لومبارد ستريت للأبحاث"، يجادل بأن مخاوف ديفيد لي لها ما يبررها: الصين هي أكثر البلدان الكبرى عرضة للأذى بسبب التخفيض الكبير في العملة اليابانية. مع ذلك كانت الصين من كبار المتلاعبين بالعملات في الماضي القريب. إن ما نحتاج إليه هو نقاش، تحت رعاية صندوق النقد الدولي، حول المبادئ التي تحكم السياسات النقدية التي تؤثر في أسعار صرف العملات. وهذا لن يحدث. بدلاً من ذلك، يمكن أن تصطدم وطنية آبي الاقتصادية مع الوطنية الاقتصادية للصين. حينها، يتضرر العشب، باقتتال الفيلة. إن مخاطر زعزعة الاستقرار على المستوى المحلي والخارجي هي بالتأكيد مخاطر كبيرة. هذا أمر واضح بصورة مؤلمة. لكن كان لا بد لليابان أن تخرج من وضعها المَرَضي، ولايزال بإمكانها ذلك إلى حد كبير.

لكنها لن تحقق النجاح إلا من خلال انعطاف هيكلي، إذ لا بد أن تنقل الدخل من الشركات إلى المساهمين والحكومة والموظفين. هناك حاجة في الأمد الطويل إلى أجور حقيقية أعلى، وعلاوات للتعويض عن التخفيض المتدني للعملة، وضرائب أعلى على المكاسب المُستبقاة، وتوزيع أكبر لعوائد الأرباح بكثير من الوضع الحالي. في النهاية لا يستطيع آبي أن يعتمد على التلاعب النقدي وسعر الصرف الضعيف وحدهما. لا بد له من أن يتصدى لمؤسسة الأعمال اليابانية التي تواصل التقشف في الإنفاق. هذه ستكون ثورة حقيقية. فهل يحاول؟ للأسف، مازلت أشك بصورة متعاظمة، في ذلك.

* (فايننشال تايمز)

back to top