أوهام الحليف الأميركي وخرافة الفتوى النووية!
قبل 6 سنوات كتبت: أنه لا بديل للخليج عن الحليف الأميركي، رداً على مبادرة الرئيس الإيراني السابق محمد أحمدي نجاد التي طرحها خلال حضوره القمة الخليجية في الدوحة بإنشاء منظمة خليجية للتعاون الاقتصادي والأمني بين دول التعاون وإيران، بديلاً عن التحالف مع أميركا والغرب، تساءلت: "ما هي الضمانات التي تقدمها إيران للخليج في مقابل فك تحالفاته بالغرب وأميركا؟ ما الذي يقدمه نجاد لطمأنة الخليجيين بشأن: الجزر الإماراتية والتهديد النووي؟ كيف نصدقه في مطالبته بالأمن والسلم في الخليج بمنأى عن تدخل الخارج وبلاده تتدخل في كافة شؤون الخليج والمنطقة العربية؟"، وختمت المقالة بأن "علينا أن نقول لإيران وبدون مجاملة: مفاعلك يشكل خطراً عليك وعلينا، وتهديداتك المستمرة للخليج لا تجعل له بديلاً عن الحليف الأميركي والغربي". مرت الأيام وتغيرت الأحوال وخرج الأميركيون من العراق وضعف نفوذهم لمصلحة زيادة نفوذ إيران وتمددها في المنطقة مستغلة نقاط الضعف فيها، وأصبح الخليجيون يواجهون مخاطر عديدة من حولهم: 1- هناك على امتداد الساحة العربية، مد سياسي حمل إلى السلطة قوى أيديولوجية ليست حليفة للخليج.
2- وفي الشمال: الشقيق العراقي التحق بالنفوذ الإيراني.3- وعلى الضفة المقابلة: جارتنا المسلمة تستعرض عضلاتها وتصعد ضد الخليج كلما زاد الخناق الدولي عليها.4- ثم وهذا هو المتغير الجديد والأخطر، وجدنا حليفنا التاريخي والاستراتيجي الأميركي في حالة تراجع ولملمة لقواته وانحسار لنفوذه، بدأت ثقة الخليجيين به تضعف وتهتز، وتعالت الأصوات الخليجية مطالبة دولها بضرورة التحرك لبلورة (مفهوم استراتيجي) جديد وشامل للأمن الخليجي يكون نابعاً من الداخل ومنسجماً مع الاحتياجات الوطنية والإقليمية ومرتكزاً على أن الأمن الوطني لأي دولة خليجية هو مرتكز أساسي للأمن المشترك، من ثم يجب على الخليجيين تطوير سياسات حقيقية للدفاع المشترك تملك القدرة على الردع، وفي إطار مظلة استراتيجية مستقرة، طبقاً لما دعا إليه د. محمد عبدالغفار رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات ومستشار جلالة الملك، في مؤتمر بعنوان "الأمن الوطني والإقليمي لدول مجلس التعاون، رؤية من الداخل"- يناير 2012، وأذكر أنه في هذا المؤتمر، فاجأنا الفريق ضاحي خلفان قائد عام شرطة دبي، بأن عرض (38) مهدداً للأمن الخليجي بشقيه الوطني والإقليمي، على رأسه (السياسة الأميركية في المنطقة) باعتبارها المهدد الأول للأمن الخليجي. قال الفريق ضاحي: إن أميركا لا صديق لها ولا يعتمد عليها لأنها تنفض يدها من أصدقائها بسرعة، والسياسة الأميركية اليوم تشكل تهديداً لأنها تسعى إلى قلب الأنظمة، زمان تحدثت أميركا عن فرض الديمقراطية وفشلت في العراق وأفغانستان، واليوم أصبحت تصدر الثورة إلى المنطقة حسب نهج الخميني، وهذا ما رأيناه في تونس ومصر وليبيا وحالياً في سورية، ولا ندري من القادم؟!وأضاف: إيران على طول ثورتها فشلت في تصدير الثورة وإسقاط صدام وفي أن يكون لها وجود فعلي في العراق، لكن أميركا حققت لإيران كل أحلامها! وختم الفريق محذراً الخليجيين من الانسياق وراء أميركا في مواجهة إيران، لأنه لا مصلحة لنا في هذه المواجهة ولأن أميركا لم تعد حليفاً بل طرفاً مخيفاً!اليوم وبعد المكالمة التاريخية بين الرئيسين روحاني وأوباما وحالة الغزل المتبادلة بينهما، وبعد أن أوقفت الإدارة الأميركية جزءاً من المعونات العسكرية لمصر التي تخوض حرباً ضارية ضد الإرهاب في سيناء، تبدو صيحة التحذير التي أطلقها الفريق ضاحي، في محلها، إذ كانت تستقرئ الأحداث المستقبلية بتنبؤ صادق، فها هي الإدارة الأميركية اليوم متلهفة على عقد صفقة نووية سريعة مع إيران على حساب حلفائها الخليجيين الذين لم تستشرهم ولم تنسق معهم. الإدارة الأميركية وبعد زيارة روحاني لنيويورك وخطابه في الجمعية العامة واتصال أوباما به، تعتقد أن القيادة الإيرانية الجديدة أصبحت مستعدة للانفتاح على العالم، وهي تريد أن تنتهز هذه الفرصة التاريخية لطي صفحة "النووي الإيراني" الذي يراوح في مكانه في مفاوضات متعثرة بين الدول الست وإيران منذ سبع سنوات؛ ولذلك فهي تبدو متلهفة لعقد هذه الصفقة النووية السريعة وبأي ثمن، وهي تعتمد في هذه التصورات على جملة من الأوهام أبرزها:1- الفتوى الخمينية بتحريم تملك السلاح النووي لمخالفته تعاليم الإسلام: يحاول الرئيس الأميركي إقناع شعبه والعالم بأن إيران ملتزمة بفتوى الإمام الخميني بتحريم السلاح النووي وقد نجح أخيراً في ذلك بدليل أن أغلبية الشعب الأميركي تؤيد مفاوضات مباشرة مع إيران.2- سياسة فرض العقوبات على إيران: تعتقد الإدارة الأميركية أن سياسة الحصار الاقتصادي وفرض العقوبات على إيران قد آتت أكلها، ومن هذا المنطلق تفسر تغير السياسة الإيرانية إلى نوع من المرونة التي سماها المرشد الأعلى خامنئي "مرونة الأبطال". 3- أن هناك رئيساً إيرانياً معتدلاً يمكنه إحداث تغيير نوعي فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني.وكما أسلفنا فإن هذه التصورات تقوم على أوهام لا يصدقها حتى السذج، فكيف بإدارة سياسية تحكم أكبر وأقوى دولة في العالم؟! ولتوضيح هذه الأوهام نذكر ما يأتي: 1- فيما يتعلق بالفتوى المحرمة لتملك النووي أقول: إن أصغر مسلم يتلو القرآن الكريم يعرف أن هذه الفتوى غير صحيحة لأنها تخالف النص الصريح "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة" والذي يوجب تملك الدولة الإسلامية لكل أسلحة ووسائل الردع تجاه العدوان الخارجي، الإسلام يحرم العدوان على الآخرين ولا يحرم تملك أسلحة الردع واتخاذ كل وسائل القوة المحسنة للدولة الإسلامية، ألا يعلم أوباما أن النظام الإيراني كله قائم على المبدأ الديني "التقيّة"، خصوصاً في السياسات الخارجية والعلاقات بالقوى الكبرى، وهو مبدأ ديني يعد من أكبر المبادئ الدينية في المذهب الاثني عشري، هذا المبدأ الديني الذي يفسره أمير طاهري بـ"إخفاء المعتقد الحقيقي للشخص بهدف خداع الآخرين في بيئة عدائية" لا يجوز فقط، الخداع والمناورة، بل يوجبهما وجوباً دينياً على الفرد والمجتمع والقيادة السياسية. ولو كان تملك السلاح النووي محرماً لما سعت باكستان، وهي دولة قائمة على المشروعية الإسلامية لتملكه! ولعارضها علماء الدين في باكستان!2- وأما محاولة الإدارة الأميركية إقناع العالم بأن سياسة العقوبات هي التي جعلت إيران مستعدة لوقف التخصيب وفتح المنشآت النووية، فهذا وهم تحاول أميركا تسويقه، فأولاً: إذا كانت كوريا الشمالية وهي التي لا تملك عُشر موارد إيران وثرواتها، ضحت وتحملت واعتمدت كما يقول فريدمان على "نظام دائم منخفض السعرات في الغذاء والمعلومات" حتى حققت حلمها النووي، فكيف بإيران الغنية بالموارد والشعب الصبور؟! إذا كانت كوريا الشمالية قاومت الضغوط فكيف لا تفعلها إيران؟! وثانياً: من قال إن هناك جهات داخلية إيرانية متنفذة لا تستفيد من نظام العقوبات؟! فالمعروف أن الحرس الثوري بإمبراطوريته الاقتصادية الواسعة والمهيمنة على مفاصل الاقتصاد الإيراني يستفيد من نظام العقوبات طبقاً لفريدمان.3- الرئيس المعتدل روحاني لا يملك من الأمر شيئاً ولن يستطيع لا هو ولا المرشد الأعلى أن يتنازل عن تملك النووي لأنه أصبح حلماً قومياً وعقيدة وطنية وحاجة أمنية، لأن القيادة الإيرانية تنظر إلى السلاح النووي كأفضل ضمانة لبقاء واستمرار وحماية النظام الثوري الإسلامي في مواجهة التهديدات من الداخل والخارج.وأخيراً: ماذا تريد أميركا والغرب من إيران وماذا تنتظر منها؟ ينتظرون أن تقدم إيران تصوراً جديداً للخروج من حالة المراوحة التي طالت، ويريدون: 1- خفض نسبة التخصيب من 20% إلى 5%.2- التخلص من اليورانيوم المخصب وتسليمه لدولة نووية. 3- فتح المعامل والمنشآت النووية أمام التفتيش الدولي. 4- وقف العمل بمفاعل "آراك" الذي يستخدم الماء الثقيل لإنتاج البلوتنيوم، في مقابل رفع العقوبات عنها، ولكن إيران ردت مسبقاً بأن على اللاعبين الدوليين أن يتحرروا من أوهام تصور أنهم يستطيعون فرض أي شيء على الشعب الإيراني وعلى الغربيين الاعتراف بحقوق إيران في التخصيب، كما قال ظريف وزير الخارجية بأن المطالب الغربية باتت من التاريخ، وعلى الدول الست تقديم رؤية جديدة، وأن إيران لو خضعت للضغوط لما كان لديها 18 ألف جهاز طرد مركزي!* كاتب قطري