النفط والطاقة :الاستعانة بالشركات العالمية النفطية مبالَغة أم ضرورة؟
يرى البعض أن الاستعانة بالشركات الأجنبية في عمليات القطاع النفطي باتت ضرورة ملحة لتحقيق الطموحات الكبيرة، بينما يرى أحد الخبراء أن هذا الأمر مبالغ فيه، وأن هناك عناصر كويتية قادرة على الإنجاز... وبين مؤيد ومعارض يلقي التحقيق التالي الضوء على هذا الموضوع:
بداية، قال الخبير النفطي د. عبد السميع بهبهاني "انا غير مؤيد لجلب شركات عالمية للقطاع النفطي، وهو امر مبالغ فيه، وتم تضخيمه، حيث ان هناك كفاءات في شركة نفط الكويت وشركة نفط الخليج، باستطاعتها التعامل مع النفوط"، مفضلا ان يكون هناك اتفاق مثلا على دراسة لموضوع ما ويتم تحديد الشركة التي تطبق العملية التشغيلية، "اما ان نأتي بشركة تستولي على المشروع كاملا من خلال اخذ حصة لما تقوم به فهذا غير محبب".وأضاف بهبهاني: "أتمنى ان اسمع اي مهندس من شباب الكويت يطالب بوجود شركات عالمية!"، مشيرا إلى ان من يطالب بهذا الأمر هم بعض وزراء النفط غير المنتمين في الاصل الى القطاع النفطي، او قد يكونون عملوا في الحقول ثم اصبحوا قياديين.
وأشار بهبهاني الى ان هناك من يقول ان التكنولوجيا النفطية في المستقبل ستكون باهظة الثمن والأموال لن تسعفنا في جلب هذه المعدات، مؤكدا ان هذا الكلام ليس له نصيب من الصحة "والأرقام المتعلقة بميزانياتنا خير برهان على ذلك، حيث وصل الفائض المالي إلى 13 مليار دينار، وهنا نتحسر على كمية الفائض للإنتاج النفطي، خاصة في ظل غياب خطة واضحة للتنمية".وقال إن لدينا مثالاً على ان الشركات الأجنبية بعضها غير جيد، حيث تم التعاقد مع احداها للتعامل مع طبقة جيرية لا يمكن لنفط الكويت التعامل معها، وتم صرف اكثر من 20 مليون دينار، ومع ذلك لم تنجز هذه المهمة، ولم يشير اليها احد، مضيفاً "لو كان هذا الامر قامت به كوادر كويتية وفشلت لتعلمت منه وأصبحت لديها تجربة، علما انه إذا فشل احد ابناء البلد في ذلك فسيكون مصيره الفشل مدى الحياة".ولفت بهبهاني إلى ان المطلوب في الوقت الحالي من القطاع النفطي الالتفات إلى عمليات استخراج النفط الرملي، داعياً إلى تطبيق التكنولوجيا في هذا الصدد وفقاً للنموذج الكندي، مبيناً أن إدارة المخزون النفطي تحتاج الى نظرة جادة لهذا الأمر لكي لا نفقد زمام الأمور ويجب اخذ المبادرة فورا.استعانة إيجابيةمن جانبه، قال مدير عام شركة "أسبار" للخدمات البترولية محمد السالم ان الاستعانة بالشركات الاجنبية يعود بالايجابية على القطاع النفطي حيث ان لديها خبرات متخصصة وبالاخص فيما يتعلق باستخراج النفط الثقيل، ومن الحكمة الاستفادة من الدول التي قطعت شوطاً طويلاً في الاستعانة بالشركات، وهو امر لا يعاب، مشيرا إلى انه حتى الشركات الاجنبية فيما بينها تستعين ببعضها البعض رغم تصنيفها العالمي.وأضاف السالم ان الكويت منذ فترة لديها حساسية من الإقدام على هذه الخطوة، حيث دائما ما يتم الخلط بأن هذا الامر يعد مشاركة في الموارد الطبيعية، وهو ما يحرّمه الدستور، مبيناً أن الكويت وقفت في المنطقة الرمادية التي رسخت في مفهوم المجتمع رفض فكرة الاستعانة بالشركات العالمية، موضحا ان هناك اطرافاً اخرى لا تحبذ هذه الفكرة لكي لا ينظر الآخرون على ان لدينا تقصيراً في هذا الجانب. وقال: "لننظر الى السعودية التي لديها شراكة عالمية مع العديد من الشركات العالمية في الربع الخالي ومناطق صعبة اخرى، وهذا الامر لا يعيبها"، موضحا ان الكويت تأخرت جدا في هذا الأمر، وأفضل طريقة لتنمية الكوادر الكويتية هو تدريبها من خلال هذه الشراكات العالمية.وحول ما اذا كانت "نفط الكويت" قادرة على تحقيق استراتيجيتها للوصول الى 4 مليون برميل يوميا دون الاستعانة بشركات عالمية، قال السالم: "حتى لو كان ذلك ممكنا، فسيكون بسعر مكلف جدا، وسنمر بتجربة عسيرة للوصول الى افضل الحلول واكثرها اقتصاديا"، مشددا على ان افضل الخيارات امام القطاع النفطي هو الاستعانة بالشركات العالمية مع السعي إلى تغيير النظرة السلبية تجاه هذا الامر.وأوضح ان الكويت لا تحتاج الى تشريع للاستعانة بالشركات الاجنبية، فالدستور يحظر المشاركة في الموارد الطبيعية فقط، وهذا الامر واضح، وهناك اكثر من نموذج يبيح لك التعاون دون المساس بما يشير اليه الدستور، ولا يوجد عائق للإقدام على هذه الفكرة، ويجب النظر إلى الموضوع بشكل اقتصادي يعود بالفائدة على الكويت.الصدارة النفطيةمن جهته، قال الخبير فى استراتيجيات النفط المهندس الشيخ فهد الداود ان هناك عددا من التحديات التي تواجه القطاع النفطي في الكويت في سبيل تحقيق توجهاته، مؤكدا ان أهمها تطوير القدرات الفنية في مجال الغاز والنفط الثقيل والحاجة إلى الاستعانة بخبرات الشركات العالمية لتفعيل ذلك الجانب المهم من اقتصاديات الدولة.وطالب الداود بضرورة تعزيز وزيادة أعداد العمالة المؤهلة والمدربة في القطاع النفطي في ظل زيادة صعوبة وتعقيدات الأنشطة النفطية والحاجة الماسة إلى خبرات جديدة ومتنوعة ومتميزة لإدارتها، بالإضافة إلى التغير السريع في المواصفات القياسية العالمية للمنتجات البترولية، والتي تتطلب المزيد من الاستثمارات الرأسمالية حتى يتم الإيفاء بهذه المواصفات.وقال ان الاستعانة بالخبرات الاجنبية والشركات العالمية من شانها ان تعزز دور الكويت في الصادرات النفطية، وفي الوقت ذاته في رفع معدلات الموارد المالية للدولة، مشيدا بجهود القيادة السياسية التي تبذل لاستكمال هذه المرحلة الحاسمة في تاريخ القطاع النفطي، سواء في المشروعات المتعلقة بالاستكشاف والانتاج او مشروعات التصنيع والتكرير البترولي والمنتجات البتروكيماوية.وذكر ان سير حركة الانجاز بالتوازي بين مشاريع التصنيع والتكرير ومشاريع البتروكيماويات بالاضافة الى خطط الانتاج الرامية الى الوصول الى 4 ملايين برميل يوميا بحلول عام 2030 سيجعل الكويت ذات اكتفاء ذاتي على صعيد السوق الخليجي من جانب، مع تلبية متطلبات استهلاك العملاء العالميين من جانب اخر، وهي النظرة البعيدة المدى لنقل الكويت الى افضل المراتب بين دول المنطقة، فضلا عن ذلك، فإن هذه الخطط والانجازات تتوافق مع شروط منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك".