الجرائد في رمضان

نشر في 13-08-2013
آخر تحديث 13-08-2013 | 00:01
 طالب الرفاعي شهر رمضان يمرّ غريباً كونه لا يشبه في الشهور إلا نفسه. غربته تصبغ كل نواحي الحياة: الروحية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بأصباغ خاصة، بما في ذلك الصحافة.

المراقب للصحافة الورقية في الكويت، كما باقي الأقطار العربية، يلاحظ تغيّرات كثيرة تدخل عليها، تبدأ بتغيير وقت صدور الجرائد، ووصولها إلى القارئ، وتمرّ على تبويب المواضيع الكثيرة التي تملؤها، وتنتهي بزيادة عدد صفحاتها. وربما كان هذا التغيير الرمضاني مستحقاً في عقود ماضية، حين كانت الجرائد تمثل سلوى للصائم. لكن زمناً نحياه يتطلب بالضرورة وقفة أمام شكل ومحتوى الجرائد في شهر رمضان، والسؤال عن القارئ المستهدف بمادة الجريدة، ومدى نجاح الجرائد في وصولها إلى مرادها باصطياده وإفادته.

إن زمناً يوصف بزمن الفضاء المفتوح، وثورة المعلومات، ومحركات البحث، والمواقع الخاصة، وشبكات التواصل الاجتماعي، ما عاد يحتمل جرائد مازالت تصرّ على مخاطبة القارئ، وكأنه يعيش في قرية ليس فيها إلا مكتبة صغيرة، لا تتوفر إلا على الضروري من الكتب!

إن العالم الغربي المعايش لنبض اللحظة الإنسانية الراهنة، يتساءل منذ أكثر من عقد عن مآل الجرائد الورقية، وكبريات الجرائد في العالم تقلص عدد أوراقها، ومنها ما اكتفى بنسخة رقمية عبر الإنترنت، بينما نحن في الأقطار العربية مازلنا نصدر جرائد تصل عدد صفحات بعضها إلى ما يزيد على الخمسين صفحة بمادة حشو لا تجد من يقرأها!

لا جدل في أن شهر رمضان شهر خاص، لكن تلك الخصوصية تتطلب نظرة معاصرة ومتحركة وعصرية. نظرة تدرك أن القارئ في الدول العربية، كما في أي مكان، صار يعيش مزحوماً ومحاصراً تطارده الأخبار والأحداث المضطربة والمتسارعة في كل لحظة وحيثما كان، ويكفيه متابعة ما تبثه المحطات الإخبارية على مدار الساعة، وما تقدمه شاشات التلفزيون من مسلسلات رمضانية. وأنه ما عاد يمتلك بحبوحة من الوقت والذهن الصافي بحيث يختلي بالجريدة لساعات وساعات.

أرى أن جهداً كبيراً ومخلصاً من الكتّاب والمحررين يذهب هباءً في شهر رمضان. جهداً لو تمّ توفيره أو تخصيصه فإنه سيأتي بنتائج أفضل. فجريدة رمضان، وبدل أن تتضخم يجب أن تُختصر، وبدل أن تأتي متخمة بمواضيع عن كل شيء، ستكون أكثر واقعية لو اختصرت على الضروري من الأخبار والأحداث، وخصصت صفحة أو صفحتين إضافيتين لمواضيع تهتم بقضايا الشهر الفضيل.

إن تضخماً ممجوجاً يطال بضاعة الأسواق، والمجمعات التجارية، ويشكل مفارقة في أن تستهلك كل أسرة مسلمة في رمضان أضعاف كمية الأكل التي تستهلكها في الشهور العادية، وتعمر الموائد بالزائد من الطعام الذي ينتهي إلى حاويات القمامة، هذا التضخم العشوائي والبائس يجب ألا يطال صفحات الجرائد، ويجب أن تعيد الجرائد الورقية دراسة جدوى تغييرها لنمط صدورها، ليكون مختلفاً في رمضان، وأن ذلك الاختلاف يجب أن يكون مدروساً ليتماشى وروح العصر.

إن عصراً نحياه يفرض علينا نمط حياتنا، وكون الجرائد الورقية هي عنصر من ذلك النمط فإن روح العصر يجب أن تمسّها، وتنعكس على مواضيعها، ولكون رمضان له خصوصيته الدينية والثقافية والاجتماعية، فإن هذا مجتمعاً يجب أن يتمخض عن جريدة رمضانية سلسة، وعصرية ومسلية، بعيدة عن كل ما من شأنه أن يشكل زيادة مضرة وغير نافعة.

إذا كان الجوع قد يدفع ببعض الصائمين إلى المبالغة في شراء وإعداد الوجبات الغذائية، فإن هذا الجوع نفسه يتطلب من أصحاب الجرائد تقديم جريدة رمضانية تتصف بكل المعاصرة، بعيدة عن التكرار واللغو الزائد.

الصحافة جزء من حياة الإنسان، وبقدر اهتمامها به بقدر تفهمها لحاجياته في كل وقت وحين.

back to top