-1-
كان علماء الدين والفقهاء في الخلافة الكلاسيكية، يُطلقون على الخليفة ألقاباً دينية تبجيلية وتقديسية كثيرة، لكي يلقوا خوف الهيبة ورعبها، في قلب الشعب، فكانوا يطلقون على الخليفة ألقاباً مثل: أمير المؤمنين، خليفة رسول الله، خليفة الله على أرضه، المنصور، المعتصم بالله، الواثق بالله، المتوكل بالله، المنتصر بالله، المستعين بالله، المعتمد على الله، المعتز بالله، المهتدي بالله، المعتضد بالله، المكتفي بالله، المقتدر بالله، القاهر بالله، الراضي بالله، المتقي لله، المستكفي بالله، المطيع لله، الطائع لله، القادر بأمر الله، القائم بأمر الله، المستظهر بالله، المسترشد بالله، الراشد بالله، المقتفي لأمر الله، المستنجد بالله، الناصر لدين الله، الظاهر بأمر الله، المستنصر بالله، المعتصم بالله... إلخ.كذلك فقد أطلق العلماء والفقهاء على الخلفاء المعاصرين ألقاباً شبيهة منها دينية ومنها قومية، كالإمام، السلطان، صاحب الجلالة، صاحب الفخامة، صاحب السيادة، أمين القومية العربية، الخالد الذكر، بطل القومية العربية، بطل التحرير، الأب، القائد، الضرورة، الحارس، قائد المسيرة، المنقذ، بطل القادسية، المهيب، الزعيم، رافع لواء الإسلام، رافع لواء العروبة... إلخ.-2-كانت الخلافة الكلاسيكية في حكمها، وفي أحكامها، متناقضة مع نفسها.ففي حين أن الخلافة الكلاسيكية، كانت تدّعي أنها تحكم باسم الإسلام واسم العدالة الإسلامية، كانت ظالمة لشعبها، ورعاياها.ففي حين أن الخليفة الكلاسيكي، كان هو المؤتمن على مال الله- كما كان يُدّعي- كان هو السارق والناهب الأكبر لبيت المال، دون حساب أو عقاب.وفي حين أن الخليفة الكلاسيكي، كان هو المؤتمن على دين الله، فقد كان في معظم الأحيان هو الخارق، وهو المخالف لتعاليم الله في شتى نواحي الحياة.والخليفة المعاصر الآن، يقع في تناقضات كثيرة، إضافة إلى التناقضات التي كان يقع فيها الخليفة الكلاسيكي.فمن تناقضات الخلافة المعاصرة الآن، أنها تجيز الربا بالقانون، وتمنع الخمر بالقانون، والربا والخمر كلاهما مُحرّمان شرعاً... فكيف يتفق هذا مع ذاك؟ومن تناقضات الخلافة المعاصرة الآن، أنها تبيح العمل للبنوك الإسلامية التي هي ربوية في حقيقتها، حيث إنها تتعامل مع النظام البنكي العالمي الربوي، وتودع أرصدتها في هذه البنوك العالمية الربوية، فيختلط "الحلال" بـ"الحرام"، حسب شرائع "إسلام الفقهاء" القديم والجديد.-3-كان المال الخاص للخليفة الكلاسيكي مختلطاً بالمال العام، وكان "بيت المال" هو صندوق الخليفة الخاص، ولا يعلم أحد كم يصرف الخليفة وكم من الأموال ينهب من "بيت المال"، وكان راتب الخليفة ومصروفاته هو وعائلته، من أسرار الدولة التي لا يعرفها أحد سواه.والخليفة في الخلافة المعاصرة، يفعل الشيء ذاته، فمن منّا يعلم رواتب الملوك ورؤساء الجمهوريات العرب، وكم هي مصروفاتهم السنوية هم وعائلاتهم. وكما كان الخلفاء في الماضي لا يؤدون الزكاة، ولا أي ضريبة أخرى، فكذلك يفعل خلفاؤنا في العصر الحديث. فلا أحد منهم يدفع ضريبة أو زكاة للخزينة العامة، كما قال السيد العلوي في كتابه (أضرار الحكم القبلي، 2003).ولقد ربطت الخلافة الكلاسيكية بين المال والدين، واعتبرت أن تحكّمها في المال العام (بيت المال) هو أساس حفظ كيانها السياسي- الديني؛ لذا، فقد كان الخليفة دائماً هو وزير المالية الإسلامي الحقيقي (أمين بيت المال) ولا رقابة عليه مطلقاً فيما يقبض، وفيما يدفع. كذلك كان الأمر الآن بالنسبة إلى الخلافة المعاصرة، فالخليفة المعاصر في العالم العربي، هو وزير المالية الحقيقي، رغم وجود وزير مالية آخر، وهو عبارة عن محاسب، وظيفته التدوين فقط، والبصم فقط، وليس المحاسبة الفعلية عمّا يدخل، وعمّا يخرج من أموال. ولا أحد يعلم كم هو المصروف السنوي للخليفة المعاصر. على عكس الدول الديمقراطية الغربية التي تعلن راتب الحاكم ومصاريفه، كما تعلن دفعه للضرائب المتوجبة عليه، بإظهار صورة سند دفع الضريبة المتوجبة عليه في الصحافة علناً، لكي يكون المثال الصالح للجميع.-4-هكذا كانت حال الخلافة في الأمس واليوم، كما نقرؤها في أدبيات الأصوليين والسلفيين والليبراليين على السواء.أما وضع الخلافة في المستقبل فيربطه الأصوليون والسلفيون الدينيون بالاستقرار القائم، ويتخذون من الاستقرار ضماناً لاستمرار الحكم القائم في شتى أنحاء العالم العربي.في حين أثبتت هذه النظرة وتلك المقولة خطأهما، وما حصل في أنحاء متفرقة من العالم العربي، في عامي 2011 و2012 من ثورات شعبية وانتفاضات سياسية ضد أنظمة الحكم القائمة و"المستقرة" منذ سنوات طويلة في تونس، وليبيا، ومصر، وسورية، والعراق اليوم، واليمن، لدليل كبير على أن الاستقرار لا يعني بأي حال من الأحوال الاستمرار، لا سيما أن هذا الاستقرار كان قسرياً وجبرياً، وبالحديد والنار، ولو كان الأمر عكس ذلك لاستمرت أنظمة الحكم في البلدان السابقة تحكم إلى ما لا نهاية.ولكن المفكر السياسي والأكاديمي اللبناني المعاصر غسان سلامة، يؤكد أن عدم الاستقرار، هو فقط ضمانة الاستمرار، بمعنى أن الاستفادة من التغيرات السريعة في العالم من حولنا، وتبني ما يصلُح منها لنا، وتطبيقه بوعي ورشاد وحكمة، هو الكفيل باستمرار أنظمة الحكم القائمة، فالعالم من حولنا يتحرك بسرعة، ويتغير بسرعة، بفضل طبيعة العصر والفترة التاريخية التي نعيشها، والتي علينا الاستجابة لها، وإلا واجهنا مصيراً غير سعيد وغير مريح وغير مضمون، لأن التغيير لا ينتظر أحداً، ولكن كلنا ننتظره، وعلى موعد معه، لكي تستمر الحياة. لأن الحياة في نمو وتغير دائمين. فالحي فقط، هو الذي يتغير دائماً في المظاهر والأشكال والأحوال كافة. وعلينا دائماً أن نستعد للتغيير والتجديد، ففي ذلك يستقر الاستمرار، ويستمر الاستقرار. ويصبح الاستمرار بعد ذلك مقروناً بالاستقرار. أما أن ننام في العسل طويلاً، ونعتبر أن "استقرارنا"، منذ عشرات السنين مستمر إلى سنوات قادمة، دون أن نلتفت إلى ما يجري حولنا في العالم من تغييرات وتجديدات سريعة، ودون سماع الأصوات الجديدة، والانتباه إلى الآليات الجديدة في هذا العصر السريع التغير، فتلك هي الواقعة، وهي "المطب" الكبير، والحفرة العميقة التي سنقع فيها مستقبلاً.* كاتب أردني
مقالات
الخلافة بين الأمس واليوم وغداً
06-03-2013