«الطوارئ»... قانون لا يموت
المصريون حائرون بين ضرورات الأمن ومطالب الحرية
يبدو أن قدر مصر مع قانون الطوارئ دائم، فعلى الرغم من أن قطاعا عريضا من المصريين، طالب الدولة والجيش بالتصدي لمحاولات أنصار جماعة "الإخوان المسلمين" إحراق البلاد وجرها إلى الفوضى، إلا أن قانون الطوارئ، الذي أعاده الرئيس المؤقت عدلي منصور إلى الحياة الأربعاء الماضي، يرتبط في مخيلة المصريين بسمعة سيئة تثير مخاوف لدى البعض، ليظل بال المصريين حائراً بين ضروريات الأمن ومطالب الحرية. بحث المواطن المصري العادي عن الأمن المفقود منذ سنوات، بدت كقرون لدى رجل الشارع، اصطدم بمخاوف من عودة زيارات الأمن الليلية لبيوت النشطاء، في ما يعرف بـ"زوار الفجر"، ما تجسد في نقاشات المصريين في المقاهي والجلسات العامة، والتي يلخصها عم "علي"، وهو رجل خمسيني: "الطوارئ ضرورية لأن ما يجري الآن محاولة لحرق مصر وفتح الباب أمام الاحتلال الأجنبي". عم علي عبر عن رؤية قطاع من الشعب يرى ضرورة فرض "الطوارئ"، والتي تمنح الرئيس المصري؛ أو من يفوضه في اختصاصته، حق إصدار قرار بحظر التجول جزئيًا أو كليًا، وإصدار أوامر تحريرية أو شفهية بإخلاء بعض المناطق أو عزلها، إلا أن محمد ماهر، شاب عشريني، أبدى مخاوف جيله من التعامل مع الطوارئ، قائلاً: "نخشى أن تشتغل الطوارئ لقمع الحريات بحجة ضروريات الأمن، كما حدث سابقاً".قانون "الطوارئ"، والذي أصدره الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في عام 1958، ظل معمولا به حتى قيام ثورة "25 يناير"، ولم يلغ القانون إلا لفترات قصيرة، حتى بات جزءا من حياة المصريين على مدار أكثر من نصف قرن. الجرائم التي ارتبكها بعض رجال الشرطة في فترات من تاريخ الوطن استناداً لصلاحيات قانون "الطوارئ" جعلت المصريين لا يفضلون اللجوء إلى "الطوارئ"، إلا في لحظات مصيرية كتلك التي تمر بها أكبر دولة عربية مؤخراً. ومن المعلوم أن "الطوارئ" يمنح السلطات التنفيذية، لا سيما وزارة الداخلية، سلطات واسعة تتيح لها تجميد الحريات الأساسية، عبر حظر التظاهرات وفرض الرقابة على الصحافة، ومراقبة الاتصالات الشخصية، واعتقال الأفراد بلا أجل مسمى دون نسب اتهامات إليهم، مع منح القوات المسلحة حق الضبطية القضائية، ووفقا للإعلان الدستوري المؤقت، الصادر في الشهر الماضي، لا يحق لرئيس الجمهورية أن يمد الطوارئ لأكثر من 3 أشهر دون استفتاء شعبي.ورغم الانتقاد الحقوقي والدولي لفرض قانون الطوارئ إلا أن الحكومات المتعاقبة، بررت استخدامه برغبتها في مواجهة الإرهاب والتصدي للعنف وهو ما برز بقوة خلال فترة التسعينيات في القرن الماضي.