«وسط البلد»... مغامرة تشكيلية شابة في غاليري «مصر»

نشر في 05-06-2013 | 00:02
آخر تحديث 05-06-2013 | 00:02
«وسط البلد» إطلالة فنية تحتفي بإبداع الشباب، وعنوان لأحدث المعارض التشكيلية في قاعة غاليري «مصر» في القاهرة، يضم أعمال 13 فناناً يحملون رؤى تجريبية مغامرة، وفضاءات للتعبير عن جماليات المكان، ومحاولة استعادة البهاء المفقود لأشهر في شوارع العاصمة المصرية.
«وسط البلد» أحد الاستضافات المهمة لغاليري «مصر» في القاهرة، واستمرار لفعالياتها المنتظمة خلال هذا العام، نظمه الفنان محمود حمدي وشارك في فعالياته 13 فناناً شاباً: مدحت أمين، إبراهيم سعد، أحمد صبري، أحمد طلال، إيناس الصديق، آية الفلاح، داليا رفعت، رانيا فؤاد، كمال الفقي، محمد المصري، محمد عز، منة جنيدي ومحمود حمدي.

حرص الفنانون المشاركون على التفاعل مع جمهور المعرض، ودارت نقاشات حول مضمون الوحات الفكري والجمالي، والرؤى المختلفة لبقعة تاريخية مهمة في قلب القاهرة، وماهية الإبداع الجديد، فضلاً عن دور الفنان الشاب في التعبير عن القضايا الاجتماعية، وآفاق التجريب والطموح للابتكار الفني.

وتنوعت الأعمال المعروضة بين التجريبية والتعبير عن خصوصية المكان، وإثارة الجدل حول اختفاء الملامح الثقافية التي ميزت «وسط القاهرة»، واستلاب جذور المكان،  إضافة إلى تنامي النزعات الاستهلاكية وزحف العشوائية إلى أجمل شوارع العاصمة المصرية، وظهور أنماط اجتماعية وسلوكية مغايرة.

شعور متمرد

تميز معرض «وسط البلد» بالتدفق الشعوري المتمرد، وتفاعلت أعمال الشباب مع طبيعة المرحلة الانتقالية التي عاشتها مصر بعد ثورة 25 يناير، والرفض لكل مناحي السلبية والتجريف لتاريخ ثقافي وفني، والإصرار على توثيق الروابط والتفاعل بين مصري وغيرها من الدول العربية، في المناحي الإبداعية كافة.

في لوحة منة جنيدي، يتجلى الطابع الفانتازي لفضاء «وسط البلد»، حيث تمثال طلعت حرب يتوسط دائرة من الزحام العشوائي، وتتراجع في الخلفية الأبنية ببهائها الجمالي، وأصداء تاريخها المنتمي إلى أزمنة فائتة، مجسدة رمزية تحول المكان إلى مدينة ملاهي، فترى ظهور الحصان الوحشي في المقدمة، وصعود الزرافات إلى القوس الدائري.

واتسمت أعمال «وسط البلد» بتفاعل الفنانين مع معطيات الواقع، والإبداع في أتون تفاعلات متجددة على الساحة المصرية، وكم من المشاهد اليومية والمعايشة الوجدانية لتفاصيل متشابكة، ووثيقة الصلة بالظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية  المعاصرة.

واهتم الشباب بمشاركة فنية تمزج بين الرمز والتعبيرية، والالتزام بجماليات الرؤية التشكيلية وانفتاحها على آليات الابتكار وتمردها على الأداء الكلاسيكي، ناهيك بالاجتهاد الذاتي للتعبير عن خصوصية متفردة ورؤية تلفت الانتباه لمصداقية الرسالة التي تطرحها فعاليات «وسط البلد» لجيل يستشرف آفاق مستقبل واعد بالأمل والتغيير.

 في هذا السياق، جسدت آية الفلاح ملمحاً قاتماً لفضاء «وسط البلد»، وتشكلت رؤيتها من خلال صورة امرأة مغتصبة وخارطة مهترئة، وتناغمت الألوان الداكنة مع رؤية شعورية يخالطها الأسى والرفض لتجريف المكان، واستثارة وجدان وعقل المتلقي نحو البحث عن الجمال المفقود.

وفي مقاربة لفن النحت، يستعيد كمال الفقي لغة الركام والأشلاء الحجرية، وتكوينات تطالعنا بدلالة الغياب لأصالة المكان، والحضور لتراكم عشوائي، والتحريض على معايشة قضايا الواقع، والارتقاء الوجداني نحو عالم أفضل.

تفاعل فكري

أشاد الحضور بإبداعات الفنانين الشباب، وتفاعلهم الجمالي والفكري مع معطيات اللحظة التاريخية الآنية، وتفعيل رسالتهم عبر لوحات مفعمة بالتجريب والمغامرة، وطموحات التفرد، وخصوصية التعبير التشكيلي، ومواصلة ما أنجزه الأسلاف من المزج بين عمق المضمون ومسارات الحداثة الفنية.

كذلك عكس «وسط البلد» استيعاب الفنانين الشباب لتاريخ الحركة الثقافية والفنية العربية عموماً والمصرية خصوصاً، وأن الابتكار والمغامرة وثيقة الصلة بمنجز إبداعي متراكم، ورسالة الفن التشكيلي منذ نشأته، وأن الأجيال الجديدة تحقق ذاتها بانتفاضة إبداعية مغايرة، ورافضة للسقوط في هاوية التقليد.

ولفت مدير قاعة «مصر» محمد طلعت إلى أن المعرض مغامرة تشكيلية شابة، وتأكيداً على دور الغاليري في تقديم التجارب الواعدة، وطرح رؤى مغايرة في التناول والتقنيات، وتفعيل الحس التجريبي من خلال قوالب فنية مبهرة، وأفكار تثير عقل المتلقي ووجدانه، وتكسبه ذائقة مغايرة.

وأوضح طلعت أن فكرة «وسط البلد» تنقل صورة صادقة للفن المعاصر، وما يتمتع به جيل الشباب من روح جانحة دوماً إلى التمرد والتحرر والانطلاق خارج الأطر التقليدية، والتفاعل مع طفرات تكنولوجية ومعلوماتية مذهلة.  

وأوضح منظم المعرض الفنان محمود حمدي إن الأعمال المعروضة قدمت رسالة فنية وثقافية، وتعرضت بشكل مباشر للواقع الذي آلت إليه منطقة «وسط البلد»  في القاهرة، وفي عرض فني يثريه تنوع المجالات والخامات والتقنيات، وتعدد المنظور الفني لهذا المكان المستلب.

 وأشار حمدي إلى أن منطقة» وسط البلد» في القاهرة كانت حتى الستينيات من القرن العشرين مليئة بالمكتبات الثقافية، وعامرة بالمراكز الفنية المختلفة، وتحول هذا الزخم إلى واجهات زجاجية لمحلات الأحذية والملابس، وزحفت العشوائية لتنال من جمال الشوارع والأبنية العتيقة، وتباعدت علاقة الفنانين بهذه المنطقة في الوقت الحالي.

يذكر أن قاعة «مصر»، أحد المراكز الفنية المهتمة بتقديم التجارب المميزة لجيل الشباب والوسط، ومد جسور التواصل مع كل صاحب فكر وموهبة حقيقية، ونقل صورة صادقة للفن العربي المعاصر.

back to top