«السعوديون والربيع العربي» لعبد الله الدحيلان... وجهات نظر منقسمة
صدر أخيراً عن دار «طوى» كتاب «السعوديون والربيع العربي... أسئلة الإصلاح والديمقراطية والثورة»، للمفكر والمدون السعودي عبد الله الدحيلان.
يقول عبد الله الدحيلان في كتابه «السعوديون والربيع العربي... أسئلة الإصلاح والديمقراطية والثورة» إنه ومنذ أن دب {الربيع العربي} في الشباب السعودي الروح، يعكفون على إعلان تعلقهم بطموح ديمقراطي، يتم من خلاله التوصل إلى نموذج يحفظ حقوق الإنسان ويحقق التنمية. ووسط هذا الاحتفاء من قطاع واسع من الشباب بهذه الموجة الجريئة، التي أعلنت عن نفسها كمطالبة بالإصلاح والتغيير، كانت هناك مداولات تتم حول طبيعية الفهم الديمقراطي لدى التيارات المشتركة كافة في هذه العملية، وهل هي بالفعل تؤمن بالديمقراطية، أم أنها تعاملت مع الأمر كموجة من السهل ركوبها، إضافة إلى كونها ستحقق لبعضهم مكاسب أكبر، بحكم أنهم أكثرية، وصفوفهم منظمة. إلا أن بعض المواقف من أحداث داخلية وخارجية، استوجب مكاشفة علنية لتوضيح الأمر، والقول إن الهم الإصلاحي ليس مشتركاً لدى القيادات النخبوية لتلك التيارات، وإن {فشة} الشباب التي كان يتوقع منها أن تكون أكثر قدرة على الاستقلال عنهم، لصنع وطن أفضل، ما زالت رهينة الحسابات وطغيان الرؤية الضيقة عليها. ما يعني أنه رغم اختلاف الجيلين والأدوات، فإنهما ينهلان من منهل واحد، لا يؤسس لخطاب وطني شامل، يعول عليه.
نتائج وملامحيتناول الكتاب في بابه الأول الواقع العربي، وكيف أن الربيع العربي ساهم في تغيره شكلاً ومضموناً، ثم يناقش المؤلف الربيع العربي ذاته عبر الحديث عما أفرزه من نتائج وملامح أولية. ويتناول الباب الثاني ملف الإصلاح في السعودية، ثم موقف التيارات منه محلياً، ويقدم الكاتب إيجازاً بسيطاً عنه ثم يناقشه، وبعد ذلك يتحدث عن مواقف الشريحة الأوسع منه، وتعاملها مع قضايا التغيير الخارجية.في فصل بعنوان {وقفات مع الربيع العربي}، يقول الدحيلان إن لكل شعب ثورتين، ثورة سياسية يسترد بها حقه الفطري والإنساني في حكم نفسه بنفسه، من يد مستبد فرض نفسه عليه بقوة الجيش أو الحزب، متولياً بذلك مهمة إدارة شعب من دون رضاه. أما الثورة الثانية فهي الثورة الاجتماعية، وهي التي تتصارع فيها طبقات المجتمع كي تصل في نهاية المطاف إلى الصيغة التي ترى أنها تحقق العدالة وتجعلها قيمة مستحقة لجميع أبناء الوطن.كذلك يشير الكاتب إلى أن التغيير العربي لم يأخذ صفته الثورية على رغم إلصاق صفة الثورة به من الجماهير الفرحة بالتغيير. فثمة ثلاثة عوامل حولته من تغيير ثوري إلى شيء آخر. أولها، أن الحراك جاء مفرغاً من الطبقة الجديدة التي يفترض أنها أزاحت البقية القائمة الآن، بقصد إحداث نقلة جذرية في هرمية المجتمع. العامل الآخر هو أن الربيع العربي جاء مفتقراً إلى وجود قيادات طلائعية تقوده وتوجه حراكه، أي أنه كان يسبح متموجاً من دون أن تكون له بوصلة تساعده على تحديد وجهته. أما العامل الثالث فهو نتيجة لغياب العاملين الأولين، وهو غياب مشروع سياسي يحتوي على ذلك التغيير، فقد وجدنا أن البلدان العربية التي أسقط حكامها، لم يفرز دعاة التغيير والنزول فيها إلى الشارع أي مشروع سياسي يعبر عنهم ويحتويهم، ويقدمهم كبديل للسلطة القائمة. مواقفيستعرض عبد الله الدحيلان موقف السعوديين من الربيع العربي، فيرى أنه سيكون من الصعب على شخص يعيش وضعاً مستقراً سياسياً، وفي حالة اقتصادية جيدة، وفي أجواء آمنة، أن يتناغم سريعاً مع فكر انقلابي ستكون نتيجته الحتمية تشكيل واقع جديد، يقوم على اضطراب سياسي وغموض اقتصادي وانفلات أمني. وهذا بالضبط ما حدث مع السعوديين الذين فوجئوا بالربيع العربي وهو يطلع عليهم من المغرب العربي، ثم أخذ يدنو منهم أكثر فأكثر، ما يجعل الأمر يستحق شيئاً من التحليل لمواقفهم.ومن خلال الرصد والمتابعة، نجد أن السعوديين انقسموا تجاه الربيع العربي إلى مؤيد ومعارض، وصنف آخر متحفظ. ولكن لم يكن التقسيم ثابتاً بعمومه، بل إن المتابع يلاحظ تحولاً في المواقف من بعض دول الربيع وأخرى، ما يعني أن المواقف لم تكن من منطلق ثابت وفق مفهوم شامل لمنظومة القيم التي أخذوا يرددونها، كالحرية والعدالة والمساواة، ولكنها كانت منطلقة من وجهة فئوية.يتابع الدحيلان أن المؤيدين للربيع العربي ينقسمون إلى مجموعة ينبع تأييدها من إيمانها بالنموذج الديمقراطي، بوصفه الآلية المتاحة حالياً لمواجهة الاستبداد، إضافة إلى مجموعة أيدت الديمقراطية لأنها ستوفر لأصحاب مشروع الإسلام السياسي الذي يتوافقون معه أيديولوجياً فرصة للوصول إلى الحكم، إضافة إلى شق آخر من أتباع هذا التأييد الذين يعتبرون الديمقراطية ضرراً لا بد منه في الوقت الحالي، لأجل أسلمة البلدان وفرض رؤيتهم. وهنا سيتم بشكل مباشر تناول التوجهات الدينية والفكرية في تعاطيهم مع الربيع، بناء على مواقفهم التي تصدر من نخبهم، أو من امتدادهم الجماهيري بين الشباب في أوساط شبكات الإنترنت. كحالة الطائفة الشيعية، والتي هي محسوبة في قسم المؤيدين للديمقراطية، ولكن أيضاً وفق حسابات لا تفرق كثيراً عن البقية. لكن ثمة ملاحظة وهي أن الشيعة طائفة وليست تياراً، لذلك داخلها تباين من المواقف.أما المعترضون، حسب الدحيلان، فينطلقون من ثلاثة منطلقات رئيسة، هي: الحفاظ على الاستقرار، والمفهوم الديني الذي يحرم الخروج على ولاة الأمر، إضافة إلى توجه فكري هجين يرفض الإصلاح والتغيير إلا ما يأتيه من السلطة، ويتم تناول المنطلقات عبر منابره الصحفية والتقنية، للخروج بأقرب تصور حيال الموضوع.ويعلق الدحيلان، بأن ثمة نقطة مهمة يجب الإشارة إليها، بأن أثر الربيع في الجانبين، المؤيد والمعارض، سيكون من خلال موقفهم من التغيير والإصلاح، في ظل سوء الواقع العربي عموماً. أما الجانب الثاني، فإن تقييم الوضع الداخلي سيكون عموماً حول مفاهيم الإصلاح وتناقضاتهم فيه، إلا أنه سيركز في بعض جوانبه على ما أبرزه الربيع العربي من ملفات أفرزت تمظهراتها، وأهمها ملف الموقوفين أمنياً، ومعتقلي الرأي، والذي أظهر مطالب تنادي بحل الملف من خلال الاعتصام والتظاهر. كذلك ألقى الأمر بظلاله على كيفية المطالبة بحل ملفات خدمية أو متعلقة بالتوظيف.