بابا الأقباط لـ الجريدة•: الشرطة متواطئة وأخشى الدولة الدينية
• الجيش لن يتخلّى عن الشعب • أرفض التطبيع مع إسرائيل • بناء الكنائس متوقف ولا تغيير منذ الثورة
خصَّ بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية البابا تواضروس الثاني «الجريدة» بإطلالة هي الأولى، بعد أحداث الفتنة الطائفية التي هزَّت الشارع المصري مطلع أبريل الجاري، ليفجر مفاجآت عدة، أولاها تخوفه من ظهور الدولة الدينية في مصر، وثانيها اتهامه للشرطة بالتواطؤ واستهداف المقر البابوي في العباسية في ذروة أحداث الكاتدرائية الأخيرة. وأبدى بابا الأقباط تسامحاً مع الجيش رغم تورطه في أحداث «ماسبيرو» التي كان ضحاياها 27 قبطياً في أكتوبر 2011، بينما شدد على أن ما يتعرض له الأقباط في مصر أصبح ظاهرة خطيرة، لا يمكن السكوت عنها.البابا تواضروس، الذي انتخب أواخر العام الماضي بعد أربعين عاماً من تولي البابا شنودة الراحل مسؤولية الكنيسة الأكبر في مصر، يعتبره كثير من المصريين «بابا المحنة»، نظراً إلى أنه يتولى مسؤولية نحو «10 ملايين قبطي» تحت حكم أول رئيس مدني منتخب، قادم من خلفية إسلامية هو الرئيس محمد مرسي، الذي لم يلتق البابا حتى الآن، على الرغم من مرور نحو عشرة أشهر على توليه حكم البلاد. وفيما يلي تفاصيل الحوار:• هل ترى أن وقوع أحداث الفتنة الطائفية إرهاصات لاتجاه محدد للدولة المصرية؟- المجتمع المصري يرفض الشكل الديني للدولة، وما قام به محمد علي الكبير منذ نحو مائتي عام، كان بناء دولة عصرية مدنية متحضرة، ويجب أن يكون مجتمعنا في هذه الصورة، وأنا كمواطن مصري متخوّف من ظهور دولة دينية، والخبرات السابقة في بلاد كثيرة بالعالم تجعلنا نجزع تماماً من هذا الفكر.• ما النصائح التي يمكن أن تقدمها للقوات المسلحة في ظل هذه الظروف الحرجة؟- القوات المسلحة هي ضمير الشعب، فهي مثال للجدية والانضباط والالتزام، وفي اعتقادي أن هذه المؤسسة العسكرية لم تتلوَّث بأفكار تطرف أو تمرد، لكن خلال عامي الثورة حدثت حالة من عدم الاستقرار، وجاءت أحداث ماسبيرو مؤلمة، وما كان يجب أن ينزلق الجيش إلى هذه الأمور، لكن العذر أن البلاد كانت في حالة عدم استقرار، وكان جهاز الشرطة في حالة ضعف، وأعلم أن للجيش ضميراً حياً وقيادة رشيدة، وعندما يحتاج إليها الشعب لأنهم جزء منه، فلن يتخلوا عنه.• كيف تقوم الكنيسة بدورها الديني المقدس، خاصة في أحداث التوتر والعنف وحالة الاستقطاب السياسي التي تعيشها مصر؟- الكنيسة مؤسسة روحية، لها دور اجتماعي، تخدم المجتمع التي توجد فيه، والعنف يوجه للكنيسة بصورة عامة في مواقف كثيرة على مر التاريخ، وعلى الدولة حماية كل المؤسسات على أرضها وعلى رأسها المؤسسات الدينية الملتزمة.• ما هو تعليقكم على وصف بعض وسائل الإعلام الأجنبية لتصريحات قداستكم حول أحداث الكاتدرائية بأنها انتقادات مباشرة غير مسبوقة للجهات الحكومية؟- نتكلم عن حدث، ونصف ما يحدث، وهناك تقصير وسوء تقدير، وربما تواطؤ بقصد أو بغير قصد، لأن ما رأيناه في الأفلام المصوّرة، مؤلم للغاية، فالمفترض أن جهاز الشرطة هو جهاز حماية والمسؤول الأول عن الأمن الداخلي، فعليه أن يدرس الموقف جيداً، ويقدر حالة الغضب الشعبي من جراء سقوط شهداء في الخصوص، وبالطبع ستكون جنازتهم فياضة بمشاعر غاضبة للغاية. • هل تتهم الشرطة بالتواطؤ؟- الشرطة أطلقت على الكاتدرائية وعلى المقر البابوي كميات من الغازات المسيلة للدموع بصورة مؤلمة، وكل ذلك مسجل ومصور، ومن ناحية ثالثة، كان من غير اللائق أن تعرض أقراصا مدمجة «سي. دي» في مجلس الشورى يتهم الأقباط بالاعتداء، وهذا زادنا ألماً على ألم.• ما الذي ينتظره قداستكم من قرارات حكومية؟- نريد تطبيقاً حاسماً للقانون، وتقديم اعتذار من قيادات الأمن عن اتهامنا، وتقديم حلول عملية على أرض الواقع، مشروع بناء الكنائس لا يزال متوقفاً فلا تصاريح للبناء منذ ثورة 25 يناير، ونريد إنهاء جميع صور التمييز بين المصريين، لأنه أمر ممقوت ومرفوض، حتى هذه اللحظة لم نر أي إجراء على أرض الواقع، وسرعة التحقيق، وكشف المتورطين ومساعدة أسر الشهداء.• على الجانب الآخر ما رؤية قداستكم لدعوات بعض الإخوة المسيحيين للكنيسة باتخاذ موقف أكثر حسماً وتشدداً؟- قلنا النار لا تواجه بالنار، فالنار تواجه بالماء، كما أن الغضب والعنف لا يواجهان بغضب وعنف، والكنيسة تسلك كل القنوات الشرعية مع المسؤولين، الذين يقدمون مشاعر طيبة، لكن المشاعر وحدها لا تكفي، ولنا خبرة سيئة من تعاملات الدولة، في المشكلات المماثلة.• ما موقف الكنيسة من قيام بعض المسيحيين بزيارة بيت المقدس؟- التطبيع الذي جرى بين مصر وإسرائيل حكومي، ولم يرتق إلى المستوى الشعبي كاملاً، ولذلك لا يصح أن ينفرد جزء من الشعب وهم الأقباط بهذا التطبيع، من دون إخوانهم المسلمين، وهناك إجراءات كنسية إزاء هؤلاء، تتمثل في حرمانهم من التناول، والأسرار المقدسة، داخل الكنيسة.• هل هناك خطوات ورؤية للكنيسة لحل بعض مشاكل الأحوال الشخصية للمسيحيين؟- عقدنا خلال شهر مارس الماضي مؤتمراً دراسياً عن مشكلات الأسر المسيحية والأحوال الشخصية، وحالياً توجد عدة لجان تدرس منظمة العمل، تعرض عملها على المجمع المقدس وهو أعلى سلطة تشريعية في الكنيسة القبطية، في يونيو المقبل، للبحث في حلول فيما يتعلق بـ«التطليق وبطلان الزواج، منذ 30 عاما لم يتم العمل بقانون الأحوال الشخصية، وبالتالي لم يأخذ الشرعية، ونحاول ككنيسة أن نسهل الأمور من دون التعدي على الشريعة الإنجيلية.• لم تقم قداسة البابا بأي زيارات خارجية منذ تولي قداستكم المنصب؟- سأقوم خلال شهر مايو المقبل بزيارة تهنئة إلى قداسة بابا روما، بمناسبة مرور 40 عاماً على أول مقابلة بين الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليكية «كرسي الإسكندرية وكرسي روما»، وسأزور خلالها عدداً من الكنائس في إيطاليا.• ماذا تقول قداستكم للأصوات التي تتهم المسيحيين بالاستقواء بالخارج؟- رد فعل، فهم لا يطلبون ذلك من فراغ، هناك أفعال تمت على أرض مصر، ولم نجد قانوناً يحسمها، ولأنهم يعيشون جو الحرية في بلادهم الجديدة، يعبرون بطريقتهم وانفعالهم، وهو أمر طبيعي في الغرب، ومفترض أن الدولة تهتم بهؤلاء المصريين وتوفر لهم السبل التي تعطيهم رؤية حسنة عن صورة مصر، فالعالم صار صغيراً جداً، ولا يمكن إخفاء ما يحدث في أصغر حارة في أصغر قرية في بلادنا، والكنيسة تقف مكتوفة الأيدي تجاه هذه الأحداث، وتحتاج أن تساعدها الدولة بإجراءات واضحة على أرض الواقع، حتى تهدئ من غضب أبنائنا في الخارج.