السعادة ما بين القلب والجيب!
![د. ساجد العبدلي](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1461946551445173900/1461946567000/1280x960.jpg)
من الأحاديث المدهشة التي لطالما توقفت عند مدلولها مرات عديدة قوله صلى الله عليه وسلم: "من أصبح آمناً في سربه، معافىً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها". وهذه الأعمدة الثلاثة هي أساس الاستقرار النفسي والسعادة الحقيقية في واقع الأمر إن نحن أمعنا النظر وتأملنا في ما وراء المفردات. الأمان المراد في هذا الحديث هو الأمان الشامل، أي الأمان المادي والمعنوي، حيث يستقر الإنسان في وطنه ومسكنه ولا يقلق أن يصيبه أذى أو مكروه على المستوى المادي، وأن يستقر أيضا في نفسه مع من يحب من أهله وأسرته وصحبه، والعافية في الجسد هي الصحة والطاقة على الحركة والعمل، والقوت هو ما يكفي الإنسان ويشبعه من الطعام والشراب. لكن المفارقة أن الإنسان يقضي سائر عمره لاهثا وراء تلك الأشياء الواقعة في خارج دائرة هذه الأساسيات، والمؤلم أنه وفي طريقه للحصول على هذه الأشياء قد يضحي بكثير من الأمور المهمة في حياته، ويتجاوز الكثير من القيم والمعايير الأخلاقية وربما القانونية، ولا ينتبه إلى ذلك إلا عندما يفيق من سكرته فيجد نفسه في مواجهة واحد من تلك المواقف الإنسانية الفاصلة في حياته، كأن يمرض هو أو من يحب، أو أن يفقد، إما بالرحيل أو الموت، شخصا عزيزا على قلبه.كل واحد منا بحاجة إلى أن يواجه نفسه وأن يعيد حساباته، وأن يعود إلى ترتيب قائمة الأولويات وتحديد الأهم فالمهم بالنسبة إليه، قبل أن تضطره إلى ذلك مخالب اللحظات العصيبة، وحينها قد لا يسعفه الوقت لإصلاح أي شيء ولا تساعده الظروف للعودة عن خطئه.كل واحد منا بحاجة إلى أن يدرك الآن وقبل فوات الأوان أن العائلة تأتي أولاً، وأن الأحبة هم تاج الصدارة، وأن الاستقرار المالي لا يعني الثراء الفاحش، وأن السعادة والهناء هي حالة نفسية وعقلية قبل أن تكون في مقدار ما يمتلكه من الماديات، وأن هناك الملايين من البشر في السهول والوديان وفي أعالي الجبال وفي الصحارى والأحراش والغابات قد أدركوا هذه الحالة بأقل القليل من كفاف العيش.السعادة في القلب وليست في الجيب يا سادتي... جعلني الله وإياكم من السعداء القانعين الهانئين.