{النظام مقابل الشعب} بهذه العبارة يستهل عجمي كتابه {التمرد السوري}، مُقدمًا وجهة نظر تاريخية مُفصلة عن التمرد الحالي في سورية ضد بشار الأسد. ويلقي الكتاب الضوء على الحقبة الأسدية وتسلسل الأحداث التي أدت إلى تلك الثورة، ويعرض العجمي خلفية تاريخية وإثنية للشعب السوري وكيفية صعود الأسد (الأب) إلى الحكم، مقدمًا صورة واقعية للشعب السوري بتركيبته الدينية والعرقية المعقدة.

Ad

يقول شارلز هِلْ في مقدمة الكتاب: {العصر الحديث تزود بقدرة غير مسبوقة لرؤية التاريخ البشري بكامله، بنظرة واحدة. نحن نعيش في متحف بلا جدران يمكننا من التعرف إلى علامات اللحظة التاريخية والتي نشعر بها اليوم في سورية. منذ أن انهارت مسيرة الخلافة الإسلامية في عام 1924 بنهاية الإمبراطورية العثمانية، بحثت شعوب الشرق الأوسط من دون استقرار أو نجاح عن هوية إسلامية لتجد نفسها محكومة بطريقة متخلفة وملكيات مستبدة. وعلى مر العقود، لا يتذكر الناس من خارج المنطقة وقتاً لم يكن فيه الشرق الأوسط إما مشكلة أو تهديداً لبقية البشرية. ولذا فعندما بدأ القرن الحادي والعشرين في 11 سبتمبر 2001 جاءت صدمة الصحوة ضرورة إعادة صياغة الشرق الأوسط الكبير كحلّ وحيد للحيلولة دون تهالكه خارج النظام العالمي، وانتشاله من مستنقعه وإعطائه دوراً إيجابياً في نظام العالم وتقدمه}. يضيف شارلز: {هِلْ ستُدمّر الثورة السورية أو أنها ستغرس لها موطئ قدم، وهذا لا يمكن حدوثه من دون مساعدة خارجية. ينبغي على العالم بأسره أن يرى أنه يواجه خياراً خطيراً. إذا استطاع الثوار الاستمرار من دون أن يقعوا ضحية لبعضه البعض أو لأعداء الحرية المتمكنين، فإن تغيير الشرق الأوسط الكبير سيكون فعلاً في طريق التكوين}.

يؤكد عجمي أن الشعب السوري حينما صعد بشار إلى الحكم خلفًا لوالده أملوا في أن يتم فتح أبواب السجون الفكرية والثقافية والاقتصادية والسياسية، لتنهض سورية من جديد وتحيا عصرًا من الحرية، وإنما ما حدث كان على عكس المتوقع من القادة الذين اعتادوا ثقافة السكون والصمت.

ويستطرد عجمي بأنه على مدار أربعة عقود متتالية حُكمت سورية من سلالة الأسد اعتاد خلالها القادة العسكريون وقادة المخابرات على إظهار الولاء الكامل ومن ثم سيادة ثقافة السكون والصمت. وكان بشار الأسد الذي تلقى تعليمه في أرقى المدارس والجامعات في سورية، ودرس في لندن، يبدو شاباً طموحاً متشوقاً للإنجاز، ما جعل كثيرين يرون فيه رئيساً واعداً قادراً على فتح أبواب السجن الممتد على مساحة الوطن السوري بأسره تحت حكم والده. كان انطباع الزعماء العالميين الذين حضروا جنازة الأسد الأب إيجابياً عن الرئيس الجديد، حيث وصفوه بالزعيم الشاب ذي النزعة الإصلاحية، ويمتلك التصميم الكافي على تحديث بلاده.

ربيع

في بدايات حكمه، كثر الحديث عن {ربيع دمشق}، خصوصاً بعدما بدأ الرئيس الشاب يقوم ببعض المبادرات واللافتات الصغيرة التي كانت تعطي انطباعات إيجابية، كتردده على المطاعم والأماكن العامة من دون حراسة تذكر، وتباسطه الزائد مع الناس الذين يقابلهم. وتعززت شعبية بشار عندما أفرج عن مئات المعتقلين السياسيين. وتمنى الشعب السوري أن يستمر الرئيس على هذا الطريق، وألا تلتف حوله طغمة فاسدة تعزله عن الناس وتجعله غير قادر على الإحساس بنبضهم والاستجابة لتطلعاتهم. لكن ما تخوف منه الشعب سرعان ما تحقق، فعاد المجال السياسي الذي بدا ينفتح شيئاً فشيئاً للانغلاق مجدداً، وحدثت عملية انتقال فعلاً، لكن ليس من الاستبداد إلى العدل، وليس من حكم الحزب إلى حكم الشعب، وإنما من حكم الحزب إلى حكم الطائفة، ومن حكم الطائفة إلى حكم العائلة.

وقيل في حينه إن بشار لا يملك من أمر نفسه شيئاً، وإنه مجرد دمية تحركها أيدي أعضاء الحرس القديم ممن خدموا مع والده، وإنه لا يملك كافة مقاليد السيطرة على سورية وهي: الطائفة العلوية، والجيش، وقوات الأمن، وحزب {البعث}.

وبعدما صدّق كثيرون من أبناء الشعب وعود الرئيس الجديد بالانفتاح السياسي، سرعان ما جوبهوا بالرفض والتضييق والقمع من الأجهزة الأمنية التي أغلقت المنابر السياسية، وزجت بالمعارضين في غياهب السجون.

قسوة

أثبتت التجربة أن شخصية بشار أكثر استبداداً وقسوةً من والده الذي كان أكثر مرونة، وأكثر براعة من الناحية السياسية، وأكثر قدرة على تكوين العلاقات، والحفاظ على التوازنات الداخلية والخارجية، خلافاً لبشار الذي افتقد لتلك الخبرة وافتقد للمرونة المطلوبة التي كانت كفيلة بتمكينه من الاستجابة لمتطلبات مجتمع معقدة. وعندما تفاقمت الأحوال في سورية وانهارت المعادلة التقليدية، وهي الخبز مقابل الحرية، ووصل معدل من يعيشون على أقل من دولارين يومياً في ذلك البلد إلى 30 في المئة، وباتت القطاعات الرئيسة في الاقتصاد بأيدي عائلة الأسد وأقربائهم. لم يعد الشعب قادراً على تحمل قمع هذا النظام الديكتاتوري وفساده. وساعد على تشجيعهم في التمرد على الطاغية الحاكم موجة الثورات العربية التي اجتاحت الدول العربية المجاورة لهم، وعلى رغم تأكيد الرئيس السوري بأن بلاده مُحصنة ضد هذه الاضطرابات في الدول المجاورة فإن تقديره كان خاطئًا. وما كاد شهر أبريل 2011 يبدأ حتى اشتعلت نيران التمرد في أرجاء الدولة السورية في أعقاب تعذيب وقتل الطفل ابن 13 عاماً حمزة علي الخطيب على أيدي نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وقد زاد هذا الحدث من غضب وتحفيز السوريين في التمرد على النظام الحاكم.  

 يصل عجمي في نهاية كتابه إلى الاستنتاج بأن الأسد سيظل متشبثًا بالحكم حتى النهاية، وسيواصل حربه ضد شعبه مهما كانت الخسائر، معتمدًا في ذلك على دعم ومساندة روسيا والصين وإحجام المجتمع الدولي عن تقديم المساعدة للشعب السوري الذي يتعرض للإبادة الجماعية، ويقول عجمي بهذا الصدد إنه لا يبدو أن هنالك نهاية قريبة لمعاناة الشعب السوري. تظل سورية من بين تلك الدول العربية التي وقعت في اضطرابات 2010-2011 البلد العربي الوحيد الذي لا يزال شعبه يدفع ثمنًا باهظًا لعناد وقسوة حاكمه المستبد.