ذكر الصايغ أن أحد التحديات الرئيسية التي تواجهها البلاد بشأن شؤون الطاقة هو الاستهلاك «الجائر»، فحسب إحصائية حديثة لوزارة الكهرباء والماء وصل استهلاك الفرد من الكهرباء عام 2012 إلى 17 ميغاواط/ ساعة، واستهلاكه للماء للعام نفسه 42000 غالون.

Ad

أكد مدير إدارة العلوم والتكنولوجيا في مركز أبحاث الطاقة والبناء بمعهد الكويت للأبحاث العلمية د. أسامة الصايغ أن التحدي العام الذي تواجهه البلاد يكمن في تنويع مصادر الدخل، حيث إن أكثر من 95 في المئة من دخل الكويت يأتي من عائد النفط، الذي يرتبط بالأسواق العالمية، ولا يمكن التعويل على ازدهار تلك الأسواق دائما.

وقال الصايغ، لـ"الجريدة"، إن "حال تلك الأسواق كحال أي سوق معرض لدورات خمول وانهيار، ويجب عدم الإضرار بعوائد البلاد النفطية من خلال الزيادة الحادة السنوية للاستهلاك المحلي، خاصة الاستهلاك النفطي والغازي في قطاع توليد الكهرباء وتحلية المياه".

واضاف ان أحد التحديات الرئيسية التي تواجهها البلاد في شؤون الطاقة هو الاستهلاك "الجائر"، فحسب إحصائية حديثة لوزارة الكهرباء والماء وصل استهلاك الفرد من الطاقة الكهربائية لعام 2012 إلى 17 ميغاواط/ساعة، واستهلاك الفرد للمياه لنفس العام 42000 غالون، وهما رقمان مرتفعان نسبيا لبلد غير صناعي وصغير في المساحة والسكان.

وذكر ان احصاءات الوزارة تتوقع أن يصل استهلاك الفرد في عام 2030 إلى 27 ميغاواط/ ساعة، و57000 غالون، أي بزيادة 63 و40 في المئة، على التوالي، خلال أقل من 20 سنة، وهذه الزيادة في الاستهلاك غير ممكنة دون التأثير السلبي الكبير المباشر على اقتصاد وبيئة البلاد.

تأثير سلبي

وطالب الصايغ بالتعامل مع تحدي نمو استهلاك الطاقة، خاصة الطاقة الكهربائية في الكويت، بجدية وبأسرع وقت للحد من تأثيره السلبي على ثروات وبيئة البلاد، ولما له من تأثير مباشر على خطط التنمية وبناء الأجيال القادمة، وعليه يجب تبني سياسة نظام الطاقة المستدامة، من خلال العمل على محورين متوازيين هما كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة.

وقال إن معهد الكويت للأبحاث العلمية عمل مع مؤسسات الدولة المعنية بالطاقة، خاصة وزارة الكهرباء والماء، على مدى العقود الثلاثة الماضية، على تطوير قواعد الحفاظ على الطاقة، وتبين من نتائج دراسات المعهد أن المباني تستهلك النسبة الأعلى من الطاقة الكهربائية، من خلال أنظمة تكييف الهواء والإنارة رغم أن الكويت تعتبر من الرواد في تطبيق تدابير الحفاظ على الطاقة المتعلقة بأنظمة تكييف الهواء والإضاءة، من خلال برنامج الحفاظ على الطاقة عام 1983 (المعروف بمدونة الممارسات عام 1983).

وشدد على انه مازالت هناك فرص لتحسين كفاءة استخدام الطاقة، حيث أوضحت نتائج دراسات قام بها المعهد أنه بالإمكان توفير من 20 إلى 25 في المئة من الطاقة في المباني الحكومية والتجارية عن طريق إجراءات بسيطة في إدارة عمل الإنارة والأنظمة المساعدة لتكييف الهواء، مثل المضخات وسخانات الماء.

واردف ان الدراسات بينت أنه يمكن توفير من 25 إلى 30 في المئة في المباني السكنية المستقبلية عن طريق استخدام النوافذ ذات الألواح الزجاجية المزدوجة والعاكسة، والجدران العازلة، والإضاءة ذات الكفاءة. إضافة إلى ما ذكر، فإن استخدام أنظمة التكييف المركزية للمنطقة، والتي تخدم عددا من المباني في كل حي في الضواحي السكنية المستقبلية له الدور الأكبر في توفير الطاقة.

واستدرك: "أما المباني السكنية الحالية التي ربما يصعب فيها عمل الترميمات اللازمة لتوفير الطاقة، فإنه يمكن استخدام الألواح الكهروضوئية الشمسية على الأسطح ومظلات مواقف المركبات، واستخدام الإنارة ذات الكفاءة، علما ان توفير 20 إلى 30 في المئة من الكهرباء لا يعني خفض مستوى الراحة في المباني، ولن يؤدي إلى التخلي عن الرفاهية في حياتنا اليومية المعتادة".

أبحاث الطاقة

واوضح الصايغ ان "معهد الكويت للأبحاث العلمية عمل منذ سبعينيات القرن الماضي في أبحاث الطاقة المتجددة، شاملا تكنولوجيا الطاقة الشمسية الحرارية والكهروضوئية والتبريد والتسخين الشمسي، لكن توقف العمل بتلك الأبحاث في نهاية ثمانينيات القرن نفسه، لأسباب الجدوى الاقتصادية لتدني أسعار النفط في ذلك الوقت".

واضاف ان "العمل بأبحاث الطاقة المتجددة اعيد في عام 2007 بمبادرة كريمة من سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، وبدعم من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، وتم عمل مسح ميداني أولي لمصادر الطاقة المتجددة ذات الجدوى في الكويت، وتبين أن الطاقة الشمسية الحرارية والطاقة الشمسية الضوئية وطاقة الرياح هي الأنسب للاستغلال في بيئة الكويت في الوقت الحالي".

وزاد: "وعليه، قام معهد الأبحاث بدراسة تحليلية لخيارات توليد الكهرباء المتاحة في الكويت، بهدف التنبؤ باتجاهات تطور التقنيات الحديثة وخصائصها والعوائد الاقتصادية لها باستخدام تقنيات متعددة، وقد أظهرت نتائج الدراسة أن تكنولوجيا الطاقة المتجددة قادرة على سد بعض احتياجات توليد الكهرباء، وفي المقابل سد جزءا من الطلب على الطاقة في أوقات الذروة مع فرص توفير الوقود النفطي اللازم للإنتاج".

وافاد بأن نتائج التحليل أظهرت من حيث التكلفة أن استهداف نسبة 10 إلى 15 في المئة من حاجة الدولة للطاقة الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة في عام 2030 يعد الأنسب اقتصاديا وتقنيا، حيث سيتم توفير ما قيمته 2.3 مليار دولار من 2015 إلى 2023 على شكل وقود نفطي، مقارنة بنظام توليد تقليدي التي تعتمد 100 في المئة على النفط والغاز".

وفي نفس العام، سيتم تخفيض انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون من 65 إلى 55 طنا في السنة، علما أنه يمكن توظيف نظم الطاقة المتجددة كمحطات توليد مركزية تضخ الطاقة الكهربائية في الشبكة الكهربائية ذات الضغط العالي والمتوسط، ويمكن تركيبها على المباني الحكومية والتجارية والصناعية والسكنية، حيث تزود نقاط في مواقع مختلفة من الشبكة الكهربائية ذات الضغط المنخفض.

وتابع ان "دراسة مشتركة بين معهد الكويت للأبحاث ووزارة الكهرباء والماء اشارت إلى أن تطبيق سياسات كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة معا سيؤدي إلى توفير 50 في المئة من الطاقة على المدى القصير، و60 في المئة على المدى الطويل، أي إنه يمكن توفير بناء محطات توليد الكهرباء بسعة تصل من 6000 إلى 10000 ميغاواط خلال 10 إلى 20 سنة مقبلة".

طاقة مستدامة

واكد الصايغ انه "لا تنقص الكويت الموارد المالية لبناء محطات طاقة متجددة ولا الخبرات ووضع الخطط في صياغة وتبني نظام الطاقة المستدامة"، مشيرا إلى ان "ما ينقص الكويت حاليا سياسات وتشريعات فاعلة تقنن منهجية وعمل إطار نظام الطاقة المستدامة".

وذكر ان "معهد الكويت للأبحاث قام بدراسة مؤخرا بمراجعة البنية التحتية والنظم الحالية في الكويت، واقترح الإطار العام للتغييرات المطلوبة لتطبيق قواعد كفاءة الطاقة، وتوطين تكنولوجيا الطاقة المتجددة، كما حددت الدراسة أدوار كل من الحكومة والقطاع الخاص لتأسيس نظام الطاقة المستدام".

وشدد على ان "الوقت يحتم الحاجة إلى تأسيس كيان وطني مستقل للطاقة (مجلس أعلى للطاقة) ذي خبرة تقنية واقتصادية، تكون من مسؤولياته وضع السياسات والاستراتيجيات المتعلقة بتأمين واستدامة مصادر الطاقة في الكويت والتنسيق بين المؤسسات والجهات المعنية بالطاقة، وعن طريق تلك السياسات والاستراتيجيات يتم دعم سياسة توطين الطاقة المستدامة والخصخصة وعملية إعادة هيكلة وتأهيل القطاعين العام والخاص".

واشار إلى ان "القطاع العام يحتاج إلى دوائر وإدارات متخصصة في الطاقة المتجددة وشؤون التركيب، وتقنين العلاقة بين المستهلك والمنتج في وزارة الكهرباء والماء، كما تتطلب سياسة الطاقة المستدامة والخصخصة تغييرا جوهريا في عمل إدارات تشغيل شبكات النقل والتوزيع، لما للطاقة المتجددة من طبيعة عمل تتسم بعدم الاستمرارية، وارتباط الإنتاج بوقت توافر المصدر سواء من الرياح أو الطاقة الشمسية، وما لذلك من أثر على شبكات النقل والتوزيع، وبالتالي تتطلب هذه التغييرات موارد بشرية مؤهلة، ويحتم ذلك توفير برامج تدريب موجهة وتوظيف الخبرات المحلية والعالمية في ذلك".

حافز اقتصادي

ولفت الصايغ إلى ان "من محاور تلك السياسات تطبيق قواعد إدارة الطلب على الطاقة في جميع القطاعات الحكومية والتجارية والسكنية، حيث يكون الحافز الاقتصادي مؤثرا في سلوك المستهلك في ترشيد الطاقة، كما أن تلك السياسات تلعب دورا في تحديد التعرفة لإنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة، والتي تأتي كنتيجة لنموذج خصخصة جزء من قطاع إنتاج الطاقة الكهربائية كما ورد في خطة عمل الحكومة 2010-2014، فإن طرح تحديد قيمة التعرفة كمنافسة بين المؤسسات والشركات يعد الأسلوب الأكثر اتباعا وقبولا في كثير من دول العالم".

واضاف ان "المجازفة برؤوس أموال كبيرة، وعدم المعرفة الكلية بأداء نظم الطاقة المتجددة في البيئة المحلية للكويت، والتأثر السلبي المحتمل لعدم استقرار سياسة الطاقة العالمية يجعل الاستثمار في صناعة الطاقة المتجددة أقل جاذبية للمستثمرين من نظم التوليد التقليدية". وذكر: "إذا تدخلت الحكومة في إزالة كل أو بعض المخاطر المتعلقة بتطوير مشاريع الطاقة المتجددة عن طريق المشاركة في دعم رؤوس الأموال والإنشاء، فإن ذلك يساعد على معرفة أداء نظم الطاقة المتجددة في البيئة المحلية، ومن ثم تقدير قيمة التعرفة الإنتاجية بدقة".

وزاد ان "هذا يمكن المستثمرين من أخذ زمام المبادرة في المراحل التالية لإنتاج الكهرباء والتوسع فيها، كما يجب عمل تشريعات تعمل على تسهيل منح العقود على أساس أو معيار تقني لا سعر التكلفة، والذي سيكون ضروريا لاختيار أفضل العطاءات من حيث التطوير على المستوى الفني والتعليمي والتدريبي".

آلية التنفيذ

وحول آلية التنفيذ قال الصايغ: "يجب التعامل مع ملف نظام الطاقة المستدامة كأولوية وطنية وعلى مستوى عال من الجدية، ويجب ألا تقع مسؤولية التنفيذ في التشريع والتقنين والتطبيق على عاتق مؤسسة أو مؤسستين".

وتابع: "من أجل نجاح وفاعلية التنفيذ يجب تكليف جهة تنفيذية عليا، عن طريق تأسيس مجلس وطني للطاقة تحت مظلة مجلس الوزراء، وبرئاسة رئيس الوزراء، تشمل عضوية القياديين من جميع المؤسسات الحكومية المعنية بشؤون الطاقة، سواء تشغيلية أو تمويلية أو لوجستية أو بحثية أوأكاديمية".

ولفت إلى ان "مجلس الطاقة يمارس صلاحيته من خلال المؤسسات الأعضاء بوضع السياسات والتشريعات اللازمة للمضي قدما في تأسيس نظام الطاقة المستدام، وربما لن نصل إلى نظام طاقة مستدام كامل بنسبة 100 في المئة، لكن بالتأكيد سنخفض الاستهلاك بنسبة قد تصل إلى 60 في المئة، وهذا سينعكس بالإيجاب على اقتصاد وبيئة البلاد، وحتما يعطي الأجيال القادمة حياة أفضل".