تقرير برلماني: استمرار التهديد بالاستجوابات... جدية أم تكسبات نيابية؟
المجلس تخلى طوعاً عن أداة المحاسبة فلماذا يستمر التلويح بالمساءلة؟
بعدما حصن النواب الحكومة من الاستجوابات بقرارات التأجيل، وبات الشارع يملك من الوعي ما يمكّنه من التمييز بين الجدية في المساءلة والرغبة في المساومة، هل التهديد بالاستجواب مازال يمثل وسيلة ضغط على الحكومة أو جذب لجمهور الناخبين؟
يثير استمرار تهديد النواب لأعضاء الحكومة باستخدام اداة الاستجواب تساؤلات عدة عن جدية ودوافع هذا التهديد، بعدما تخلى مجلس الأمة طواعية عن اهم اداة رقابية يملكها لمحاسبة الحكومة.عندما قرر المجلس بموافقة غالبية اعضائه تأجيل كل الاستجوابات التي قدمت في دور الانعقاد الحالي الى الدور الذي يليه، شكل سابقة جديدة في التعاطي مع ملفات المساءلة السياسية، ووضع اداة الرقابة الدستورية على رف التأجيل غير معلوم المدة.لم ينظر المجلس عندما قرر تأجيل الاستجوابات الى صحيفة المساءلة السياسية ولا الى ما تحتويه من مستندات ومعلومات وحقائق تستحق المناقشة وتستدعي النظر اليها بصفة عاجلة، انما اتخذ قرار التأجيل "بالجملة"، ليطوي صحائف الاستجوابات من دون النظر الى محتواها.ولم يفرق المجلس بين قضايا المواصلات والأمن والنفط والقروض المالية للمواطنين، وهي العناوين الرئيسية للاستجوابات الاربعة المقدمة على التوالي الى وزراء المواصلات والداخلية والنفط والمالية والتي قرر المجلس تأجيلها جميعا رغم اختلاف موادها وتفاصيلها.ربما كانت رسالة الحكومة الى المجلس قوية برفضها صعود المنصة ومواجهة اي استجواب يقدم لاحد من اعضائها سواء في جلسة علنية او سرية، ولعلها لوحت بورقة "عدم التعاون" المفضية غالبا الى حل البرلمان، لتحجم تحركات النواب وتدفع غالبيتهم الى تأييد طلباتها في تأجيل الاستجوابات.ومادام المجلس أسقط من يده ورقة الاستجواب، فلماذا يكرر النواب التهديد بالمساءلة السياسية، وهم من اتفقوا خلال اجتماعهم الشهير في مكتب رئيس مجلس الأمة علي الراشد على قرار تأجيل كل الاستجوابات الى دور الانعقاد المقبل؟ترحيل الاستجواباتاللافت ان بعض النواب الذين ايدوا ترحيل الاستجوابات الى دور الانعقاد المقبل، هم من يتولى رفع الصوت عاليا بالتهديد في المساءلة السياسية، كالنائبة صفاء الهاشم التي ايدت تأجيل الاستجواب المقدم من النائب فيصل الدويسان في فبراير الفائت الى النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الشيخ أحمد الحمود لمدة تصل الى نحو 10 اشهر، لتعود في الجلسة الخاصة بالتوصيات الامنية امس الاول الى اعلان استجواب الوزير الحمود اذا لم يقدم استقالته "لعدم اطمئنانها الى ما سمعته من ردود الوزير لتحقيق الامن والامان في البلد". ومثل الهاشم كان النائب فيصل الكندري الذي ايد تأجيل كل الاستجوابات التي قدمت الى الآن، إلا انه رفع أمس الأول سقف خطابه في جلسة مناقشة الوضع الصحي تجاه وزير الصحة الدكتور محمد الهيفي ليدعوه الى الاستقالة من منصبه في نبرة تحتوي على التهديد بالمساءلة السياسية اذا لم يغير الهيفي سياسته.وبدخول الوزير الهيفي قائمة الوزراء المهددين بالاستجوابات اصبح اكثر من نصف اعضاء الحكومة تحت طائلة المساءلة السياسية بمن فيهم رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ جابر المبارك، فبالإضافة الى الاستجوابات الاربعة الى وزراء المواصلات والداخلية والنفط والمالية والتي تم تأجيلها، ثمة تهديدات لوزراء التربية والشؤون والصحة.إثبات الوجودفهل تكرار التهديد بالاستجوابات هدفه اثبات الوجود واظهار ان المجلس "يشمخ" وانه ليس كما يشاع عنه مجلس "ودود"، تحكم الحكومة سيطرتها عليه وتفرض القرار الذي تريده داخل قاعة عبدالله السالم؟ ربما هذا هو احد الاسباب الرئيسية في استمرار التلويح بالاستجوابات. وربما ايضا هو محاولة ضغط على الوزراء لفتح باب المعاملات المغلق في وجه بعض النواب، فيرتفع الصوت بالتهديد بالمساءلة كلما ضاقت الخيارات امام النواب.ولعل السبب ايضا مخاطبة الشارع وجمهور الناخبين مع اقتراب موعد حكم المحكمة الدستورية في دعاوى بطلان مرسوم الصوت الواحد المقرر صدورها في منتصف يونيو المقبل، وتزايد احتمالات صدور حكم بإبطال المجلس الحالي، ما يعني العودة مجددا الى صناديق الاقتراع لاختيار ممثلين جدد في المجلس لمدة اربع سنوات جديدة.وسيلة ضغطكل الاحتمالات واردة لكن هل التهديد بالاستجواب مازال يمثل وسيلة ضغط على الحكومة او جذب لجمهور الناخبين، بعدما حصن النواب بانفسهم الحكومة من الاستجوابات بقرارات التأجيل، وبات الشارع يملك من الوعي الذي يمكنه من التمييز بين الجدية في المساءلة والرغبة في المساومة؟ربما تصرفات الوزراء في الجلسات النيابية وبالذات الخاصة منها بتجاهل نقاشات النواب وعدم تدوينها وهو ما اشار له غير نائب، تعبر عن واقع التعامل مع التهديدات بالاستجواب.