كتاب قيَم... وكاتب رصين

نشر في 04-03-2013
آخر تحديث 04-03-2013 | 00:01
 مجدي الطيب «دراسات في تاريخ السينما المصرية» عنوان كتاب اجتهد الناقد الرصين محمود علي في تقديمه للمكتبة العربية، وعاد فيه إلى الأعوام من 1896 إلى 1952 ليوثق تاريخاً ما زالت وقائعه ملتبسة، وفترة ظلت تتسبب في حيرة الكثيرين؛ نظراً إلى اضطراب المعلومات الخاصة بها، والمتعلقة بنشأة وبداية السينما المصرية وتطورها.

ربما لم أستسغ اتهام الناقد لكل ما سبق أن كتب في هذا الخصوص بأنه «كان يُكتب من الذاكرة الخاصة أو ذاكرة الآخرين وهي خئون»، حسب عبارته، واستشعرت أنه يفتقد تواضع العلماء. لكن الناقد بنى اتهامه على مفاجأة مثيرة عندما أكد أنه وضع يديه على وثائق ومعلومات جديدة «كفيلة بإعادة النظر في مسلمات ارتكنا إليها بوصفها الحقيقة الوحيدة»، وكشف عن تلك الوثائق بقوله: «هي وثائق متناثرة في دوريات أجنبية وعربية بعضها نسمع عنه في سطور، وأخرى سنقرأ عنها لأول مرة». وباجتهاد الباحث الدؤوب، عاد محمود علي إلى المصادر الأصلية وتوقف عند التفاصيل، وبادر بتحليل مغزاها ودلالاتها وظروفها التاريخية، في محاولة لإلقاء المزيد من الضوء عليها، تمهيداً لفهمها، ووضعها في سياقها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وعن عمد تجاهل كل ما يخرج عن إطار الوثيقة.

ضم كتاب «دراسات في تاريخ السينما المصرية» بين دفتيه عشرة فصول، يحمل أولها عنوان «من المشخصاتي إلى معهد المسرح والسينما»، وفيه رصد للجذور الأولى التي واكبت بدايات المسرح المصري، وأول محاولة جادة لإنشاء معهد للتمثيل والسينماتوغراف على يد عبد الرحمن رشدي خريج مدرسة الحقوق وأحد رواد المسرح المصري، الذي تقدم بالمشروع، في شكل التماس، إلى فؤاد الأول ملك مصر والسودان، في أغسطس من عام 1923، وانفرد الناقد في كتابه بنشر بنود المشروع، الذي وقعه «العبد الخاضع المخلص للعرش العلوي، كما قدم عبد الرحمن رشدي نفسه!

على النسق نفسه من المفاجآت يكشف الناقد، في الفصل الثاني من الكتاب، عن أول وثيقة تم توقيعها عام 1936 بين مصر والأمم المتحدة في شأن الموافقة على اتفاقية لنشر البرامج التهذيبية (التعليمية)، وبداية الاهتمام بالأفلام العلمية والثقافية والصحية، والسعي إلى نشرها في المدارس والقرى والنجوع على يد الأجانب ثم الحكومة المصرية في ما بعد. وتواصل الوثائق في الفصل الثالث، الذي أماط اللثام عن وثيقة إنشاء أول نقابة للمشتغلين في السينما في القاهرة وفلسطين، لكن الناقد لم يكتف بالكشف عن الوثيقة المجهولة، وإنما لجأ إلى البحث عن أسباب إنشاء النقابة ومؤسسيها وأسباب تعثرها.    

لا يختلف الفصل الرابع عن سابقيه؛ حيث يلقي الضوء على شخص صاحب أشهر صفحة سينمائية يومية في جريدة «الأهرام» في بداية الثلاثينيات، ويُدعى زكريا الشربيني، باعتباره أحد «ناشري الثقافة السينمائية»، ويُشير إلى بداياته في صحيفة «وادي النيل» التي كانت تصدر في الإسكندرية، وقدمت أول صفحة سينمائية أسبوعية كان يحررها «الشربيني» فضلاً عن إسهاماته التنويرية قبل أن يتراجع دوره ويختفي اسمه!

أما الفصل الخامس فينتقل إلى الحديث عن دور المجلات السينمائية المتخصصة، وفي مقدمها مجلة «الصور المتحركة»، والمجلات السينمائية المجهولة مثل: «الزمان» و»العالم المصور» و»جوزي جورنال» و»روايات السينما» و»الفانوس السحري»، بينما يبدو الفصل السادس، الذي يرصد البنية الاقتصادية للسينما المصرية (1936ـ 1952)، وكأنه «خارج السياق». لكن القراءة المتأنية تدحض الاتهام المتسرع؛ إذ يلتقط الناقد الخبر الذي نشرته جريدة «المقطم» عام 1923، ويُرجع إليه الفضل في بداية اهتمام الرأسمالية الوطنية بالسينما كصناعة مصرية تضمن توجهاً سياسياً واقتصادياً، ويتضمن الفصل أيضاً قائمة بصادرات الفيلم المصري في الأعوام 1950 و1951 و1952 وحسابات الأرباح والخسارة.

«ممنوع لأقل من 16 سنة» عنوان الفصل السابع، الذي يرصد فشل المحاولات الأولى لإصدار تشريع يمنع دخول الأحداث صالات العرض السينمائي إلى أن ظهر للنور مع صدور القانون 427 لسنة 1954 بينما يكشف الفصل الثامن التضارب الكبير في إحصاء العدد الحقيقي لدور العرض السينمائي المصرية والأجنبية في مصر في تلك الفترة، مع تنويه الناقد إلى إحصاء حاك باسكال بوصفه الأدق، أما الفصل التاسع فيكشف أن قضية حق الأداء العلني لموسيقى الأفلام قضية قديمة، ويبرهن على هذا بمرافعة المحامي المعروف وحيد رأفت أثناء نظر قضية فيلم «الحرب والسلام» في مصر بينما يفند الفصل العاشر المزاعم التي قالت إن مصر لم تعرف تأليف وترجمة كتب السينما طوال نصف قرن؛ إذ يثبت الكتاب توافر أكثر من كتاب مجهول مترجم ومؤلف صدر في تلك الفترة، ويورد نماذج منها مع تفاصيل عن مضمونها، وسنوات إصدارها، والإعلان عنها في الدوريات المختلفة في بيبلوغرافية للمكتبة السينمائية في الفترة من 1923 حتى عام 1952، ويكفي الفصل العاشر دليلاً على قيمة الكتاب، ورصانة ودأب كاتبه.    

back to top