الثورة السورية وحماية أرواح الأبرياء

نشر في 17-06-2013
آخر تحديث 17-06-2013 | 00:01
 د. بدر الديحاني في سورية ثورة شعبية شارك ويشارك فيها جميع مكونات الشعب السوري ضد احتكار القلة للسلطة والثروة، وضد الاستبداد والظلم الاجتماعي، وقد كانت الثورة في بداياتها ثورة سلمية، لكن القمع الوحشي الذي مارسه النظام التسلطي ضدها جعلها تتحول تدريجيا إلى ثورة مسلحة ردا على بطش النظام ودمويته، وهو ما زاد الوضع تعقيداً، خصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار طبيعة الصراع الدولي والإقليمي في منطقتنا، والمواقف المتباينة تجاه التغييرات الجذرية التي تجري في منطقة الشرق الأوسط عموماً، وسورية بوجه خاص.

من هذا المنطلق فإن الدعوات الصادقة لوقف القتل ونزيف الدم هناك يجب أن تدين أولا النظام القمعي كونه المتسبب بالقتل والدمار ثم تطالبه بوقف المجازر البشرية، إذ لا يجوز بأي حال من الأحوال مساواة الضحية بالجلاد، فمسؤولية القتل والدمار الحاصل الآن في سورية (بحدود 100 ألف قتيل وعشرات الآلاف من الجرحي و1.6 مليون لاجئ بحسب تقارير الأمم المتحدة) تقع بالدرجة الأولى على عاتق النظام المستبد.

 إذ لولا ممارساته البوليسية وأعماله الوحشية ضد الأبرياء منذ البداية لما وصل الأمر إلى ما وصل إليه الآن من تعقيد، حيث تتسارع الأمور باتجاه اندلاع حرب أهلية يحاول النظام بكل ما أوتي من بشاعة وبطش أن يحولها إلى حرب طائفية.

ولقد كان الإعلان المفاجئ عن مشاركة فصائل مسلحة من دولة أخرى تابعة لحزب معروف بتوجهه الطائفي وهو "حزب الله" في معركة مدينة "القصير" تحديداً من أجل خلط الأوراق سياسيا وليس من أجل التفوق العسكري فقط، إذ من يضمن أن "الحزب" لم يشارك في العمليات العسكرية من قبل.

الإعلان "الطائفي" في هذا التوقيت تحديداً هو تكتيك سياسي مقصود لتقديم خدمة جليلة للنظام الذي يبذل كل ما في وسعه منذ انطلاق الثورة الشعبية لتصويرها، على عكس الواقع، بأنها مجرد "تمرد طائفي" كي يخيف المكونات العرقية والدينية والإثنية الأخرى من جهة ويعمل على استمالة الغرب لجانبه من الجهة الأخرى، خصوصاً أن هناك مشاريع دولية وإقليمية لإعادة ترتيب المنطقة بطريقة تسهل التحكم فيها، وإجهاض الحركات الإصلاحية والثورات العربية حتى لو تطلب الأمر تفتيت المنطقة لدويلات طائفية متحاربة.

 ومن المؤسف أن الإعلام الخليجي قد ساهم، سواء بحسن نية أو بسوئها، في المبالغة الضخمة بتصوير الثورة السورية، على غير الحقيقة، بأنها بقيادة القوى الإسلامية السنية المتطرفة التي من المؤكد أن لها دوراً في إبراز البعد الطائفي للصراع لكنها لا تمثل ثورة الشعب السوري متعدد الثقافات واللغات والأعراق والديانات والطوائف، والتي قام بها ضد الاستبداد والظلم واحتكار السلطة والثروة، ومن أجل إقامة دولة مدنية ديمقراطية تتسع للجميع.

الثورة السورية الآن بأمس الحاجة للتضامن الإنساني بأشكاله المتعددة ودعوة المجتمع الدولي للقيام بواجباته في حماية أرواح الناس الأبرياء، ومنع النظام الوحشي ومن يعاونه في ارتكاب المزيد من الجرائم والمجازر ضد البشرية.

أما الدعوات المتطرفة والعاطفية من أي طرف كان للتدخل المسلح في سورية والقتل وسفك الدماء بناء على الهوية الطائفية أو التمييز بين المواطنين والناس عموما على أساس طائفي، واستحضار حوادث تاريخية مضى عليها قرون سحيقة، ثم إسقاطها قسراً على الواقع العربي، خصوصاً في سورية فهي دعوات متهورة، ولا إنسانية وليست في مصلحة الشعوب، بل تخدم الأنظمة المستبدة.

 إن لكل دولة من الدول نظمها ودساتيرها وقوانينها وسياساتها التي تحدد بناء عليها كيفية مشاركتها أو تدخلها فيما يحصل في دولة أخرى من ناحية، وتنظم طرق المشاركة والتضامن الإنسانيين لمواطنيها من الناحية الأخرى، فلو سمح لأي شخص أو قوى سياسية أو مجموعة من طائفة أو فئة معينة بإصدار أوامر للناس بحمل السلاح لمحاربة دولة أخرى لترتب على ذلك إلغاء الدول ككيانات مؤسسية قائمة، ولأصبح العالم كله في فوضى عارمة.

back to top