في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين الذي يشهد ثورة تكنولوجيا المعلومات التي سهلت عملية الحصول عليها وتبادلها على مستوى العالم قاطبة، وفي الوقت الذي تتجه فيه دول العالم إلى الديمقراطية وشفافية العمل الحكومي وحماية حقوق الإنسان كافة، ومن ضمنها الحق في التعبير عن الرأي بالوسائل السلمية، فإن الحكومة تنوي، كما صرح وزير الإعلام، تقديم مشروع قانون الإعلام الشامل والموحد الذي ينص على غرامات مالية باهظة من جهة، ويفرض المزيد من القيود على حرية الرأي والتعبير، خصوصاً عند استخدام وسائل التواصل الاجتماعي مثل "تويتر" و"فيسبوك" و"واتس آب" وغيرها من جهة أخرى، بحيث يتطلب استخدامها الحصول المسبق على ترخيص حكومي، وهو ما يذكرنا بما كان يحدث من تقييد وقمع لحرية الرأي والتعبير في الدول البوليسية والاستبدادية التي زال أغلبها أو أنها في طريقها للزوال.

Ad

من الجدير بالذكر هنا أن قمع الحريات ومراقبة همسات الناس وأحاديثهم الخاصة لا يعني إلا شيئاً واحداً، وهو الخوف الشديد منهم وعدم الثقة بهم رغم أن تكميم الأفواه لا يؤدي، كما يعلمنا التاريخ، إلى صمت الناس وعدم انتقادهم للأداء الحكومي، بل على العكس من ذلك تماماً، فقمع الحريات يزيد من تذمر الناس وسخطهم، فيزداد الغضب الشعبي تدريجياً إلى أن ينفجر فجأة كما حصل خلال العامين الماضيين في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية والجزائر.

أهذه هي "الإنجازات التنموية غير المسبوقة" التي تعد الحكومة أنها ستتعاون مع مجلس الصوت الواحد لتحقيقها؟ ثم ماذا عن احترام الدستور الذي ينص صراحة على أن حرية الرأي والتعبير مكفولة؟! أم أنها الفرصة الذهبية لصدور القوانين المقيدة للحريات والمخالفة للدستور كقانون الاجتماعات العامة والتجمعات والمادة (15) من قانون الجزاء الخاصة بجرائم أمن الدولة، مثالاً لا حصراً، والتي لا يمكن إقرارها إلا عندما تُغيّب إرادة الأمة، حيث صدرت قوانين غير دستورية أثناء فترة تجاوز الدستور وتعطيل الحياة البرلمانية عامي 1976 و1986، وهو الأمر الذي ربما يتكرر الآن مع وجود مجلس "الصوت الواحد" الفاقد للشرعية السياسية والشعبية؟!

والمؤسف هنا هو الصمت غير المبرر لمنظمات المجتمع المدني، وعلى وجه الخصوص جمعيتا "الصحافيين" و"حقوق الإنسان" وجماعات الضغط المهتمة بمتابعة حقوق الإنسان، حيث إن مشروع قانون الإعلام الشامل والموحد يخالف الدستور ويصادر حقاً أصيلاً من حقوق الإنسان وهو حرية الرأي والتعبير.

لهذا فالمطلوب هو موقف جاد وتحرك مؤثر من جميع المهتمين بالحريات وحقوق الإنسان ومن منظمات المجتمع المدني لمنع إقرار مشاريع القوانين التي تكمم الأفواه، وتقيد الحريات العامة والشخصية، وتخالف الدستور، حيث إن منع إقرارها أسهل بكثير من عملية إلغائها في المستقبل بعد أن تكون قد طبقت رغم مخالفتها الصريحة للدستور مثلما حصل ويحصل الآن مع قوانين الاجتماعات العامة والتجمعات ومادة (15) من قانون الجزاء الخاص بجرائم أمن الدولة اللذين يحاكم بناء عليهما الشباب المطالب بالإصلاح السياسي والديمقراطي!