الخطة «ب»
عندما يتحدث وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو عن الخطة "ب"، التي بدأ الرئيس السوري بشار الأسد تنفيذها، والتي تقضي بإقامة دولة علوية "نصيرية" في منطقة السواحل السورية مع ممر آمن من "قلب" مدينة حمص، فإنه على دول هذه المنطقة أن تأخذ هذا الأمر بمنتهى الجدية والمسؤولية، أولاً: لأن تركيا أكثر الدول المجاورة مراقبة لهذا الأمر ومعرفة به، وثانياً: لأن ما يجري من عمليات تطهير مذهبي وطائفي في مناطق أماكن الكثافة "السُّنية" يدل على أن هناك جدية في تمزيق سورية وتحويلها إلى دويلات طائفية متناحرة ومتقاتلة، وفقاً للمشروع الفرنسي القديم، الذي يعود إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى.إنها مسألة غدت بمنتهى الجدية، ولعل ما تجدر الإشارة إليه أن هناك معلومات تعود إلى فترة الأب حافظ الأسد، كانت قد تحدثت عن عمليات تهيئة فعلية وحقيقية لإقامة الدولة العلوية، والتي كان جد الرئيس السوري السابق سليمان "الوحش" أحد الموقعين على مذكرة تم توجيهها إلى الفرنسيين تطالبهم بدعم إقامة هذه الدولة، بحجة أن مستقبل الأقليات غير آمن وغير مضمون، في ظل محيط من دول الطائفة السُّنية.
إن ما يعزز هذا الذي قاله وزير الخارجية التركي، والذي يردده الكثير من الأوساط العربية والرسمية المسؤولة أن هناك معلومات تشير إلى أنه تم نقل كل موجودات البنك المركزي السوري إلى "القرداحة"، فور تحوّل حادث درعا المعروف في عام 2011 إلى هذه الثورة العارمة المتصاعدة، وأنه جرى تحويل كل الأسلحة المتطورة الحديثة بما فيها سلاح الصواريخ البالستية وسلاح الطيران إلى المناطق العلوية، وأنه تقرر أن ينتقل بشار الأسد إلى هذه المناطق بمجرد أن تصبح دمشق العاصمة غير آمنة ومهددة فعلياً من قبل الجيش الحر والمعارضة المسلحة. وبالطبع فإنه من المستبعد جداً أن يعلن في البدايات إقامة الدويلة العلوية، التي من المنتظر أن ترتبط بحبل سري مع دويلة "حزب الله" الطائفية في لبنان، فالمتوقع بل المؤكد أن تعتبر مناطق النصيريين التي تنتقل إليها كل مؤسسات الدولة السورية هي المناطق الشرعية، وعلى هذا الأساس فإنه سينقل مجلس الشعب (البرلمان)، وكذلك فإن شعارات بعض الدول المؤيدة لنظام بشار الأسد، ومن بينها إيران وروسيا، ستتحول هي أيضاً إلى "القرداحة" باعتبارها العاصمة السورية الشرعية.ولهذا فإنه يجب التعامل مع ما قاله أحمد داود أوغلو بمنتهى الجدية، خصوصاً أن ما يفعله الروس يدل على أنهم متورطون في هذه المؤامرة مثلهم مثل إيران الخامنئية، وإلا فما معنى أن يبقى سيرغي لافروف يتصرف على أنه ولي أمر بشار الأسد وجماعته ونظامه، وما معنى أن تتحول طرطوس إلى أكبر قاعدة روسية على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، ثم ما معنى، وفقاً لما كشفه الإسرائيليون مؤخراً، أن تزود روسيا في هذا الوقت الحساس بالذات الجيش الرسمي، الذي يعد ليكون جيش الدولة النصيرية بصواريخ استراتيجية متطورة.وعلى العرب الذين لم يشعروا بعد بخطورة ما يجري في سورية، وبخطورة ما قاله وزير الخارجية التركي أن يفتحوا عيونهم جيداً، وأن يدركوا أن تمزيق هذه المنطقة وتحويلها إلى فسيفساء طائفية بدويلات مذهبية متناحرة مشروع إسرائيلي قديم يعود إلى نهايات أربعينيات القرن الماضي، وكان الآباء المؤسسون للدولة الإسرائيلية يريدون أن تكون لدولتهم بين هذه الدول الطائفية مكانة بريطانيا العظمى في مجموعة الكومنولث المعروفة.