الإدارة المصرية... «عكْ» اقتصادي وأداء متخبط ورؤية غير مفهومة
تحاول «تجميل» الوضع الكارثي وتروج لإنجازات خيالية... وتقود الدولة إلى «الهاوية»
تعفينا الأوضاع في مصر من مشقّة قياس الأداء الاقتصادي الضعيف، وغير المفهوم للإدارة المصرية. لكن الضروري، هنا، هو قياس رد فعل تلك الإدارة تجاه ما آلت إليه الأوضاع أو محاولة ترجمة عدم قدرتها على التعامل مع المشاكل الاقتصادية، على أنها إنجازات سوف تجعل الاقتصاد المصري منافسا رئيسيا لاقتصادات القوى الكبرى.
لا شك أن هناك، في مصر، أزمة اقتصادية على أكثر من مستوى، فالأرقام الرسمية تتحدث عن 175 مليار جنيه عجزاً في الموازنة العامة، وتشير إلى أن احتياطي النقد الأجنبي لا يكفي أكثر من 3 أشهر فقط، وأن العملة المصرية باتت ثالث أسوأ عملات العالم أداءً في 2013 حتى الآن، بعد الكواشا «عملة مالاوي»، والين الياباني – حسب بيانات أوردها تقرير صادم نشرته شبكة «بلومبرغ».تلك الحقائق، تعفينا من مشقّة قياس الأداء الاقتصادي الضعيف، غالباً، غير المفهوم، أحياناً، للإدارة المصرية، فهي تعبر بوضوح عن افتقارها إلى الخبرة في التعامل مع المشكلات الاقتصادية. لكن الضروري، هنا، هو قياس رد فعل تلك الإدارة تجاه ما آل إليه وضع الاقتصاد المصري نتيجة ضعف أدائها أو محاولة ترجمة عدم قدرتها على التعامل مع المشاكل الاقتصادية الموروثة من النظام الذي أسقطته ثورة الخامس والعشرون من يناير، على أنها إنجازات اقتصادية سوف تجعل الاقتصاد المصري منافسا رئيسيا لاقتصادات القوى الكبرى.تتجسد تلك «الترجمات» من خلال عدة تصريحات صدرت من الإدارة التنفيذية للدولة تعليقاً على قرارات مهمة ومصيرية اتخذتها الإدارة نفسها أو تعليقاً على حال الاقتصاد الكلي للدولة بما يكشف ضعف وتخبط السياسة الاقتصادية لتلك الإدارة، أولها حين بررت الحكومة، من خلال تصريحات لرئيسها، الإصرار على الحصول على قرض بقيمة 4.8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، بأن ذلك القرض يعد شهادة ثقة للاقتصاد المصري، أضاف عليها رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي حين قال إن القرض سوف «يفتح أبواب مصر للعالمية».بصفة عامة، قد تعد القروض التي تمنحها المؤسسات النقدية العالمية، أو حتى الدول، إلى دول أخرى شهادة ثقة للدول المقترضة، في حالة تم استخدام هذا القرض لإقامة مشاريع بنيوية أو استثمارية، لكن، بالتأكيد، لا تمنح هذه الشهادة إلى دولة تطلب قروضاً لسد عجز موازنتها وإنقاذ اقتصادها من الإفلاس، أو تعاني اضطراباً أمنياً كالذي تعانيه مصر الآن، وليس خفياً أنه من المستحيل اكتساب شهادة ثقة لاقتصاد دولة تمر بما تمر به مصر الآن.لم تتوقف «الرؤية» الاقتصادية المغايرة للمنطق والنظريات وغير المفهومة للإدارة المصرية عند هذا الحد، بل فاجأتنا بتصريحات «متفائلة» عن تراجع –الجنيه- المنخفض عن قيمته بنسبة تزيد على 12 في المئة عن مستوياته قبل الثورة أوائل عام 2011. وذلك حين نحى رئيس الحكومة، المخاوف المتزايدة حول قيمة العملة المصرية، قائلا إنه «شيء جيد للصادرات والاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد». وحين أكد، أيضاً، الرئيس المصري أنه «ليس قلقاً» من هذا التراجع وأنه «خلال أيام سوف تتوازن الأمور». كان ذلك رأي بعض الاقتصاديين أيضا، فعلى طريقة «نصف الكوب الممتلئ»، قال الخبراء، إن لتراجع قيمة العملة المحلية إيجابيات، لكن يظل استغلالها رهن اتخاذ الحكومة المصرية خطوات حاسمة للرقابة على الأسواق، وضبط انفلات الأسعار ومواجهة ممارسات «متوحشة» للاحتكار».وأضافوا: «غالباً ما يكون لتراجع قيمة العملة المصرية أمام الدولار تأثيرات سلبية على الاقتصاد، لكن في المقابل هناك إيجابيات لا بد من النظر إليها بعين الاعتبار والاستفادة منها، فانخفاض قيمة الجنيه سيدعم الصادرات المصرية، ويجعل أسعارها أكثر تنافسية، ما يساعد على الحفاظ على حصيلة البلاد من العملات الأجنبية. وقالوا أيضاً إن تراجع سعر صرف الجنيه مقابل الدولار سيدعم قطاع السياحة الذي يعتبر واحداً من أهم واردات النقد الأجنبي لمصر.أي سياحة سوف يدعمها تراجع الجنيه بهذا الشكل في بلد تدرك حكومته، جيداً، أن أموالها أوشكت على النفاد، بالفعل، وأن عليها أن تلجأ إلى الاقتراض لتفادي الإفلاس، وأي سياحة في بلد يغيب فيها الأمل حول توافق سياسي على الإصلاحات اللازمة لاستقرار الوضع المالي، وأي استقرار في ظل الأوضاع القائمة الآن؟أما بالنسبة لموضوع دعم الصادرات، فأي صادرات يتحدث عنها هؤلاء في ظل تبادل تجاري لا تتجاوز نسبة تغطية الصادرات للواردات بموجبه أكثر من 40 في المئة، حسب آخر أرقام رسمية قبل الظروف الحالية. ثم بأي منطق يعد تراجع سعر صرف العملة المحلية للدولة إيجابياً، بينما تشهد أكثر من محافظة عصياناً مدنياً أغلق الكثير من المصانع والأسواق، بل والبنوك.يجب أن يعي هؤلاء أن تراجع سعر صرف العملة المحلية يكون إيجابياً في حال أقدمت الدولة، بنفسها، على خفض قيمة العملة باستخدامها كسلاح سياسي، من أجل حل مشكلاتها وأزماتها الداخلية، حيث تلجأ حكومات تلك الدول إلى إضعاف أسعار صرف عملاتها الوطنية بوسائل مختلفة، والغاية منه رفع القدرة التنافسية لاقتصادها، بشكل يزيد قدرة سلعها المصدرة إلى الأسواق الدولية على المنافسة.كما يجب أن يعي هؤلاء أن هذه النظرية لا تنطبق على الدول التي تكون نسبة تغطية صادراتها لوارداتها كتلك التي تتمتع بها مصر، بل لابد أن يكون اقتصاد الدولة يعتمد بشكل رئيس على الصادرات، كاليابان والصين والبرازيل والولايات المتحدة وغيرها. بينما هناك في مصر التي تعتمد بشكل كبير على الواردات، فتراجع سعر صرف عملتها بهذا الشكل سوف تكون انعكاساته كارثية على الاقتصاد، لأنها ستدفع أكثر مما ستدفعه في حال كان سعر صرف العملة أعلى من ذلك.وهو ما انعكس، مؤخراً، على مخزون البلاد من بعض السلع كالقمح، حيث قامت الدولة بخفض عمليات شرائها من الخارج بسبب تراجع قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي. وهو ما أدى إلى استنزاف مخزون القمح في البلاد، وجعله يصل إلى مستويات منخفضة على نحو غير معتاد.إذن، على الإدارة المصرية أن تعترف بأن الوضع الاقتصادي للدولة ليس جيداً كما تحاول أن تروج، كما عليها أن تعي أن رؤيتها الاقتصادية قد تودي بالدولة إلى ما هو أسوأ، وأن محاولة «تجميل» الواقع لن تقودنا إلا إلى «الهاوية»، وعليها، أيضاً أن تكف عن إطلاق التصريحات غير المسؤولة، وأخيراً، يجب عليها أن تعرف كيفية إدارة اقتصاد الدولة.