الأوضاع في العراق، كما هو واضح، قد تكون أخطر كثيراً حتى من الأوضاع المأساوية في سورية المفتوحة على شتى الاحتمالات، فالصراع الطائفي الذي تصاعد وتضاعف في الفترة الأخيرة، بتأثير المذابح التي يرتكبها نظام بشار الأسد يومياً وفي كل لحظة ضد الشعب السوري، بات يهدد بانقسام البلاد جغرافياً بعد انقسامها مذهبياً وسياسياً، اللهم إلا إذا طرأت معجزة وانحسر النفوذ الإيراني المدمر في بلاد الرافدين وفي الشرق الأوسط والمنطقة كلها.
ولعل مما زاد تفاقم هذا العنف الطائفي الذي تأجج كثيراً في الفترة الأخيرة كردِّ فعل على تدخل إيران السافر في الصراع المحتدم في سورية وبدوافع مذهبية اتخذت عنواناً مضللاً هو حماية مقام السيدة زينب وقبر عديِّ بن حجر، هو أن "الطبقة السياسية" العراقية، لافتقارها إلى شخصية تضبط الأوضاع وتقرب بين اتجاهاتها المتنافرة التي يتآمر بعضها على بعض، لم تعد قادرة على الالتقاء، ولو على الحد الأدنى من التفاهمات الضرورية التي تشكل مدخلاً لتجنيب الشعب العراقي كل هذه المآسي التي غدت تطحن بلده وتشقق شمله.في سنوات سابقة وبالتحديد في عامَي 2006 و 2007 كان مام (العم) جلال الطالباني يلعب دور الإطفائي بين الاتجاهات المتناحرة، وذلك أولاً لأنه كرديٌّ، على اعتبار أن الأكراد العراقيين حافظوا على مسافة واحدة بينهم وبين الخلافات السنية- الشيعية التي كانت تحولت كما هو الوضع الآن إلى حرب متفجرات وتصفيات متبادلة، وثانياً لأنه تصرف وبقي يتصرف على أنه لا ينحاز إلى أي طرف على حساب الطرف الآخر، وثالثاً لأنه يتمتع بطول بال، ولأن شخصيته أقرب إلى شخصية شيخ القبيلة الكبير الذي يفرض احترامه وبالتالي وجهة نظره على الجميع.الآن من الناحية الفعلية خلا موقع (مام) جلال كرئيس للجمهورية بعدما تعرض للوعكة الصحية التي استدعت نقله إلى ألمانيا ليخضع لمرحلة علاج طويلة في أحد مستشفياتها، وهذا في حقيقة الأمر كان له تأثير كبير في استشراء الخلاف، ليس بين السنة والشيعة، وإنما بين الموالين لإيران والرافضين لتماديها في التدخل في الشؤون الداخلية وسيطرتها الفعلية على الأجهزة الأمنية وعلى توجهات ومسارات الأمور السياسية في العراق، مما أدى، في النتيجة، بتأثيرات الأزمة السورية إلى كل هذا العنف الطائفي الأهوج الذي بات يضرب عشوائياً وبطريقة همجية وجنونية.ولذلك، ولتدارك هذه الأمور المتفاقمة بقدر الإمكان، فقد بات ضرورياً، مع تمني الشفاء العاجل للسيد جلال الطالباني، أن تتفق الأطراف العراقية المختلفة والمتصارعة على من لديه مواصفات وإمكانيات رئيس الجمهورية الذي يرقد الآن على سرير الشفاء الطويل الأمد في أحد المستشفيات الألمانية، وأن تختار رئيساً جديداً تدعمه مؤهلاته السياسية والاجتماعية ووقوفه على المسافة ذاتها بين المختلفين، والحقيقة أنه في ظل حالة الاستقطاب الشديدة هذه التي يعيشها العرب بين السنة والشيعة وبين من يوالون إيران ومن يرفضونها ويرفضون تدخلها في شؤون بلادهم، لا يمكن أنْ يكون هناك من هو أفضل وأكثر كفاءة من مسعود البرزاني الذي يشهد له تاريخه السياسي الطويل بأنه مع تمسكه بحقوق شعبه الكردي لم يجنح في أي يوم من الأيام إلى العنف، وأنه كان دائماً وأبداً رجل الحوار والتفاهم حتى في ذروة تعرض الأكراد للظلم والطغيان... وأيضاً للإبادة الجماعية.وهكذا فإنَّ مسعود البرزاني، الذي هو على خُطا والده الملا مصطفى البرزاني، رحمه الله، بقي يفرض احترامه على كل أبناء قومه "الأكراد"، حتى بما في ذلك غير المنضوين في حزبه، الحزب الديمقراطي الكردستاني، والذي بقي أيضاً يفرض احترامه حتى على الأنظمة العراقية المتلاحقة، ومن بينها نظام صدام حسين وعلى أطراف معادلة العراق الحالية... وهكذا فإنه، أي مسعود البرزاني لا غيره، هو القادر على أنْ يكون رئيس جمهورية للجميع، وأن يكون الإطفائي المطلوب لإخماد كل هذه الحرائق المتأججة في بلاد الرافدين والمتجسدة في عنف غير مسبوق يخبط خبطَ عشواء في كل مكان، ولا يوفر لا مدارس الأطفال ولا الأسواق التجارية ولا المساجد ولا الحسينيات ولا كل شيء!لا يوجد من بين كل القيادات العراقية، العربية والكردية والسنية والشيعية، من هو بكفاءة مسعود البرزاني لقيادة هذه المرحلة الحساسة والدقيقة والخطيرة في العراق كله، ولِلعبِ دور الإطفائي لإخماد كل هذه الحرائق المتأججة، ولهذا فإن المبادرة إلى انتدابه لهذه المهمة التاريخية، يجب أن تأتي من العرب أنفسهم شيعتهم وسنتهم... ويجب أن تأتي أيضاً من الدول العربية المجاورة المعنية، ومن الغرب، والولايات المتحدة التي هي المسؤولة عن ترك هذه البلاد لهذا المصير الذي يتجسد الآن في هذا الصراع المذهبي المدمر!
أخر كلام
لا غير مسعود البرزاني!
04-09-2013