زار الرئيس الأفغاني حامد كرزاي البيت الأبيض يوم الجمعة وقد حصد ترحيباً مسبقاً هذا الأسبوع حين صدر تصريح مفاده أن الولايات المتحدة قد تسحب جميع قواتها من البلد في عام 2014. إذا لم يكن الطرفان حذرين بما يكفي، فقد يحصل الانسحاب فعلاً ولن تكون النتيجة إيجابية بالنسبة إلى أي طرف إلا الإسلاميين في "طالبان" و"القاعدة" وباكستان.

Ad

حضر كرزاي، الذي أصبح عدائياً أكثر من أي وقت مضى، للتفاوض حول "اتفاقية وضع القوات" خلال مرحلة ما بعد تسليم الأفغان السيطرة العسكرية التامة في عام 2014. حتى الفترة الأخيرة، أعلنت الولايات المتحدة أنها تريد الاحتفاظ بوجود عسكري معين في البلد بعد ذلك الموعد، لكن بدأ البيت الأبيض فجأةً يتحدث عن تنفيذ "انسحاب نهائي"، ما يعني أن كرزاي قد يرجع خاوي اليدين إذا لم تكن شروط الاتفاق مناسبة.

قد يكون هذا الأمر جزءاً من استراتيجية التفاوض التي يطبقها الرئيس أوباما، ويعلم المتحدث جون بوينر طريقة سير الأمور في هذه الحالة. أدى كرزاي دور الزعيم القومي الجاحد طوال سنوات وهو لا يزال يقاوم معايير الحصانة المناسبة للقوات الأميركية، ولا يبدو قراره إطلاق سراح مئات المعتقلين المرتبطين بحركة "طالبان" مؤشراً واعداً بأي شكل. قد يكون التهديد الأميركي بالرحيل لطمة موجعة لكرزاي كي يفكر بحقيقة ما سيحدث حين يصبح وحده، لكن لا يمكن التكهّن بما يخطط له أوباما طبعاً، فقد يكون هذا القرار بداية فصل درامي يهدف إلى سحب الأميركيين تزامناً مع لوم كرزاي على فشل المفاوضات، فيعلم بوينر طريقة سير هذه الأمور أيضاً.

هذا ما حدث في العراق في عام 2011، حين أصر البيت الأبيض على أنه يريد الاحتفاظ بوجود أميركي دائم هناك ولكنه عاد وقدّم عرضاً لا يستطيع أن يقبل به رئيس الوزراء نوري المالكي. أوصى القادة العسكريون الأميركيون بترك قوة يصل عددها إلى 18 ألف عنصر، لكن خفّض البيت الأبيض ذلك العدد إلى 3 آلاف عنصر، ما يعني أنهم بصعوبة سيتمكنون من الدفاع عن أنفسهم ولن يُحدثوا فرقاً كبيراً لضمان أمن العراق.

استنتج المالكي أن ذلك الوجود الضئيل لا يستحق العناء نظراً إلى حدة الانتقادات التي سيواجهها من القوميين المحليين في حال وافق على العرض، لذا تكتفي الولايات المتحدة الآن بنشر عشرات الجنود الذين يتجولون في بغداد بسيارات سوداء من طراز SUV. ربما كان أوباما يريد بلوغ هذا الهدف منذ البداية كي يحقق الوعد الذي أطلقه في عام 2008 بإنهاء الحرب وتهدئة منتقديه اليساريين الذين استاؤوا من خطوة زيادة القوات العسكرية في أفغانستان. نتيجةً لذلك، تلاشى النفوذ الأميركي في العراق مقابل تنامي نفوذ إيران.

يبدو أن البيت الأبيض يكرر النمط نفسه في أفغانستان. أوصى القادة العسكريون الأميركيون بإبقاء بين 6 آلاف و20 ألف جندي (من أصل 66 ألف موجودين هناك راهناً) واعتبروا أن المخاطر ستكون أكبر كلما تراجع عدد الجنود، لكن طلب البيت الأبيض خيارات أخرى تشمل عدداً أقل من الجنود، تبين أن الكثيرين في البيت الأبيض يفضلون الآن إبقاء 2500 عنصر فقط بعد عام 2014. كما حدث في العراق، لن يكون ذلك العدد كافياً لحماية محيط الجنود، فكيف بالحري تدريب القوات الأفغانية ومتابعة عمليات مكافحة الإرهاب؟ تتطلب عمليات القوات الخاصة معلومات استخبارية وقوات دعم سيصعب توفيرها أو الحصول عليها.

قد تستمر العمليات التي تستعمل الطائرات بلا طيار في مخابئ "القاعدة" على طول الحدود الأفغانية الباكستانية، ولكنها ستحصل من مسافة أبعد ومن دون وجود مراكز رئيسة بالقرب من الحدود. سينحصر الوجود الأميركي ضمن قواعد في كابول وقندهار وستكون تلك القواعد معرّضة للاعتداءات الصاروخية.

تتعلق المسألة الأساسية الآن بمعرفة ما إذا كان أوباما يحاول تقديم عرض لا يناسب كرزاي لأنه لن يكون مهماً مقارنةً بالاضطراب السياسي الذي قد يواجهه محلياً بسبب إبقاء أي قوات أجنبية. إذا رفض كرزاي الوجود الأميركي، يمكن أن يلوم أوباما الزعيم الأفغاني على ما يحصل بعد مغادرة الأميركيين. في غضون ذلك، يمكن أن يغسل أوباما يده من خيار التدخل الذي لا يحظى بأي تأييد راهناً، وأن يخفض ميزانية البنتاغون لتمويل برنامجه الصحي، وأن يتابع مساعيه لفصل الولايات المتحدة عن مشاكل العالم.

لا شك أن الانسحاب الأميركي الكامل يجعل من عودة "طالبان" أمراً حتمياً، وسيتوقف كل شيء على التقدم الذي تحرزه القوات الأفغانية خلال السنتين المقبلتين. لقد حسنت القوات الأفغانية قدراتها القتالية بوتيرة بطيئة. وحين بدأت تتولى مسؤوليات إضافية، ارتفع عدد القتلى في صفوفها أكثر من قوات حلف الأطلسي، ولكنها تفتقر حتى الآن إلى الأدوات اللوجستية والقوة الجوية والاستخبارات وموارد أخرى يمكن أن توفرها الولايات المتحدة.

تكمن مصلحة الولايات المتحدة الاستراتيجية بمنع أفغانستان من التحول مجدداً إلى ملجأ لـ"القاعدة" تزامناً مع متابعة الضغط على الإرهابيين على طول الحدود الباكستانية. ستضعف تلك المصلحة إذا تمكنت "طالبان" من استعادة مساحات شاسعة من البلد بسبب مغادرة الأميركيين في مرحلة مبكرة.

قد يقوم كرزاي بخيارات غبية تُعرض بلده للخطر مستقبلاً بسبب تمسكه بمصالحه الخاصة، لكن بعد هذا الكم من التضحيات الأميركية، سيبقى مصير أفغانستان من مسؤولية أوباما، إذا سقطت كابول في يد "طالبان" أو إذا غرق البلد في حرب أهلية جديدة، ستحمل الهزيمة اسم الولايات المتحدة... والرئيس أوباما أيضاً!