العالم «يكركر»
![د. ابتهال عبدالعزيز الخطيب](https://www.aljarida.com/uploads/authors/991_1667658654.jpg)
لسنا إذن مجتمعاً إنسانياً متقدماً حتى تنخفض عندنا وتيرة مثل هذه الأصوات التي تأتينا في الواقع من أعماق مخاوفها وسوء نواياها، من بشر يعتقدون أن رغباتهم هي كل ما يحكم علاقاتهم بالجنس الآخر، من نفوس حملت معها صلفاً قديماً وضعفاً غابراً ورغباتٍ غرائزية بحتة لم يهذبها الزمن والتطور الإنساني والمعرفة الحديثة التي خلقت في علاقات الجنسين أبعاداً مختلفة تماماً عن تلك الجسدية البحتة.إن التصريحات التي قرأناها في "الجريدة" على لسان هؤلاء النواب إنما تدينهم قبل غيرهم، تصريحاً بالطريقة التي يفكرون بها لحظة اجتماعهم بالمرأة، إظهاراً للدافع الذي يتحكم في نفوسهم ويحدد علاقاتهم بغيرهم. إن من يقرأ الألفاظ والتوصيفات التي وردت على ألسنة هؤلاء النواب "نشر رذيلة، ضرب فضيلة، خطة خبيثة" تدلل فعلياً على أمراض نفسية مستتبة، تحول الإنسان إلى عبد لرغباته، فلا رادع له سوى منعه التام، وعزله عن كل مصدر رغبة، وفصله عن الحياة لأنها تحمل الإغراءات في كل خطواتها. إن أمثال هؤلاء النواب هم فعلاً من يحق عليهم العزل والفصل، هم حقاً مصدر خطر، لأنهم يؤمنون تماماً بضعفهم أمام غرائزهم، يعتقدونها تغلبهم في أي موقف، فيسقطون ذلك على كل من حولهم، ليمرضوا مجتمعاً بأكمله بأمراض الشك والرغبات الطليقة والتفكير المنحصر في الجسد ولا غيره. إلا أنني لا أعتقد حقيقة أنهم جميعاً يشكون ذات المرض، فهناك منهم من يشكو نوعاً مغايراً وإن كان بذات الخطورة والخبث. هناك مرض النفاق الذي يجعلهم يرصرصون كلمات الفضيلة والقيم والتقاليد لإرضاء قواعدهم الانتخابية بينما في حياتهم هم يعيشون بشكل مناقض. عسكر العنزي على سبيل المثال، رجل لطيف المجلس، أذكر اجتماعي به مرة أو مرتين في جمعية حقوق الإنسان، عندما كانت قضية "البدون" إحدى "الدعائم الانتخابية" له، وإحدى المرات، كنا سيدتين فقط معه في غرفة الاجتماعات، يعني اختلاط وشبه خلوة، وقد كان لطيف الحديث، ضاحك الثغر، مصافحاً لنا باليد على ما أذكر، إلا أن هذا الوجه لا بد له أن ينقلب، ولا بد للضحكة أن تتعكر وللعيون أن ينطلق منها الشرر وللفم أن تنطلق منه "أردأ الملافظ" حتى يتحول إلى المحافظ على القيم والعادات والدين أمام القواعد الانتخابية التي ستعيده لجنة المجلس. أؤمن تماماً بحق الإنسان في اختيار تعليمه وتعليم أبنائه، وأعتقد بأهمية توافر نوعي الدراسة، المشتركة منها والمنفصلة، ليختار الطلبة وآباؤهم وأمهاتهم منها ما يناسب توجهاتهم وعاداتهم وما يريح نفوسهم، هذا بلا شك حق لا مساومة عليه. إلا أن الخطاب الرديء الذي خرج من أفواه النواب، هذا ما يحتاج إلى تعامل ومعالجة، خطاب مريض، يتهم جيلي ومن سبقه جميعاً بأبشع الاتهامات، حيث درسنا جميعاً في جامعة الكويت، مشتركة الدراسة في وقتها، خطاب يسر للجيل القادم بأن الرغبات والشهوات هي كل ما يحكم علاقاتهم، يعزز فكرة الضعف والاستسلام بينهم، يعلق هذا الشعور وكأنه غبار لزج يمر بينهم أينما كانوا، في السوق، في عيادة الطبيب، أو حتى في الزوارة في بيوت أهلهم.ذهب مجلس "الأربعة أصوات" وجاء مجلس "الصوت الواحد"، فما تغير؟ أي رقي في الخطاب، أي عقلية تبدلت؟ أي نوعية نواب اختلفت؟ ليت أزمتنا أزمة عدد أصوات، ألا ليتها كذلك.«آخر شي»:لم يعد الزمن يحتمل خطوة للأمام وخطوة للخلف، أن تقر اللجنة قرار إلغاء قانون فصل الدراسة هو خطوة للأمام، أن تقر بفواصل في الفصل المشترك كمحلل وغطاء للفكرة، فتلك خطوة للخلف، نحتاج قراراً شجاعاً وثابتاً لا يترجى تبريراً أو غطاءً... كفانا، "ضحكنا العالم علينا".