الجنس والمدينة!
تحقيق مثير قرأته في مجلة علوم النفس البريطانية عدد يوليو 2010م جعلني أتفكر في هذا الموضوع من زوايا لم أنظر عبرها من قبل. التحقيق يدور حول انتشار صناعة الإباحية والجنس، سواء عبر الإنترنت أو الفيديو أو المطبوعات، ويسلط الضوء على التأثيرات الاجتماعية لهذه الصناعة الآخذة في الانتشار والتزايد بلا هوادة، على المجتمعات وصغار السن على وجه الخصوص.يتحدث التحقيق عن الغرب بطبيعة الحال، حيث يوجد هناك الفكر الليبرالي المطلق، الذي ينظر إلى هذه المسألة وكل مسألة تقريبا، على أنها «بزنس» وعرض وطلب، وأن فكرة المنع مرفوضة أساساً، وعلى المتضرر أو من يخشى الضرر أن يبحث عن الوسائل الكفيلة بحمايته، قبل أن يندفع نحو محاولة لجم «حريات» الآخرين، وبالطبع فإن مساحات الحرية هناك في الغرب تكاد تكون مفتوحة بطريقة لا متناهية، وبالتالي فإن هذا الكلام قد لا يكون مفهوماً أو مهضوماً جداً عندنا.
لكننا في العالم العربي لسنا بعيدين كذلك عن تداول صناعة الإباحية والجنس، مهما زعمنا بأننا مجتمعات متدينة ومحافظة، ومهما وضعنا القوانين والعقوبات لمنع تداول هذه المواد، وذلك لأن انتشارها كبير جداً عندنا بشهادة الواقع، بالرغم من كل محاولات المنع والرقابة والسيطرة والعقاب بالقانون، والتخويف والزجر والوعيد بالعذاب وجهنم والسعير. وانتشار هذه المسألة قد تجاوز منذ أمد طويل تداول المواد المصنعة فقط في الغرب، من مواقع إنترنت وفيديو ومطبوعات، ووصل إلى مرحلة الإنتاج المحلي، سواء بشكل احترافي، أو بطريقة شخصية، ويدرك العارفون أن الإنترنت والهواتف النقالة، قد صارت مليئة بصور ومقاطع فيديو إباحية لأشخاص من أصول عربية يمارسون فيها كل أشكال الجنس والإباحية، سواء مع تغطية الوجه أو بغير ذلك، مما يدل على أن محاولات المنع والرقابة القانونية والدينية والأخلاقية، لم تجدِ نفعاً، وأنه لو تخيلنا سقوط هذه الموانع جدلاً، وذلك على ضعفها وقلة حيلتها، لانفجر في وجوهنا صندوق باندورا الممتلئ بهذا المحتوى العربي المتوحش!ما أريد الوصول إليه هنا، هو أن تعاملنا مع هذه المسألة هو ذاته مع كل المسائل المشابهة، تلك الشائكة مجتمعياً وأخلاقياً، كمسألة الطائفية والعنصرية والطبقية، حيث يكون التعامل دوماً تعاملاً خجولاً وعلى استحياءٍ يكتفي بالمنع والزجر والرقابة، ولا يغوص إلى العمق حيث دراسة المسببات والأسباب ومحاولة العلاج على ذلك المستوى.لا يوجد لدينا اليوم تعاطٍ حقيقي مع هذه المسألة، أعني مسألة انتشار الجنس والإباحية، ولا دراسات تحليلية بالقدر الكافي، تستكشف أبعادها وتأثيراتها المجتمعية في الأجيال المختلفة، ولا انعكاساتها على السلوكيات الأخلاقية والعلاقات الزوجية والعائلية، ولا على أي شيء من هذا القبيل، وهذه المسألة هي حرام وممنوع فقط والسلام!من عادتنا أن نصل متأخرين إلى كل شيء يصل إليه العالم، ويبدو أننا سنصل متأخرين في هذه المسألة أيضاً، فالغرب احتاج إلى سنوات طويلة من تداول هذه الصناعة، ودخل في زوابع ودوامات الرفض والقبول لفترة طويلة، حتى وصل اليوم إلى مرحلة التعاطي معها بشكل علمي صحيح، فهل يجب علينا أيضاً أن نستغرق وقتاً طويلاً، حتى نقر بوجود المشكلة في مجتمعاتنا، وحتى نبدأ في البحث عن تأثيراتها فينا؟!