«في قلب كل كردي حلم بدولة مستقلة»، جملة يرددها الكثير من المسؤولين والصحافيين والمثقفين الذين التقيناهم خلال زيارة الوفد الصحافي الكويتي لإقليم كردستان العراق. وقبل وصولنا إلى أربيل كان هناك سؤال يتبادر إلى ذهني، هل سيستقل الإقليم عن بغداد؟ وغادرت أربيل بسؤال آخر جديد، متى سيستقل الإقليم ويتحول من الحكم الذاتي إلى دولة مستقلة؟

Ad

إقليم كردستان العراق يتطور منذ 2003 بخطى حثيثة وثابتة، بشكل مطرد، مع ما يحدث في المناطق التي تتحكم فيها الحكومة المركزية التي تعاني مشاكل عديدة أهمها انعدام الاستقرار والأمن، كما ينعم الإقليم بحكم ذاتي إدارياً وأمنياً واستثمارياً، ولديه علم ومطار وجيش (البيشمركة) وحكومة وبرلمان منتخب وأحزاب ومعارضة ومؤسسات مدنية وسياحية وشركات عالمية تعمل على قدم وساق... لكن تبقى هناك تحديات داخلية وخارجية تقف حائلاً أمام التطلعات والطموحات الكردية، فهل يتحقق حلم الكرد بالدولة الكردية على المدى القريب أو البعيد؟

لقد تغير الزمن وتبدلت الأحوال... وها نحن نقف "في غير الزمان وفي نفس المكان" الذي قتل فيه نحو 182 ألفا في جريمة "حملة الأنفال"، التي ارتكبت على يد النظام الصدامي، وفي نفس المكان الذي تمددت فيه أجساد 5 آلاف شخص في إبادة جماعية استخدمت فيها الأسلحة الكيميائية في مدينة حلبجة. لاتزال الصور المؤلمة عالقة في الذاكرة الإنسانية، أجساد نساء ورجال وشيوخ وأطفال ممددة في كل مكان، بعضهم لقي حتفه وهو في حضن أمه أو بين ذراعي والده.

وها نحن نتجول بين تلك الجبال التي صمدت في وجه الاضطهاد والمعاناة والظلم، وعلى تلك الأرض المحروقة التي حملت ركام وحطام الأبرياء، وفي تلك القرى التي دمرها الظالمون، وهجّروا أهلها وشردوهم معتقدين أنهم قضوا عليهم إلى الأبد، ولم يعرفوا أنهم كطائر الفينيق الأسطوري الذي ينهض من رماده في كل مرة يحترق فيها، وقد اعتقد الناس أنه تلاشى واندثر إلى الأبد، فالكرد ينهضون في كل مرة ويتحدون الواقع وصعوباته، لأنّ لديهم حلماً، وحكايتهم طويلة لا يمكن فهم حاضرها ومستقبلها إلا بفهم ماضيها وذاكرتها المثقلة بالجراح القديمة، لكنها تبقى، كما شعرت من أحاديثهم، حكاية غير مكتملة.

الخلاف بين الحكومة والإقليم

يتمتع إقليم كردستان العراق بحكم ذاتي في شمال العراق، ويمتلك مقومات الدولة من جيش وحكومة ودستور وبرلمان. وقد وافقت الأحزاب الكردية في 2003، بعد الإطاحة بنظام صدام حسين، على الانضمام والمشاركة في المشروع الوطني الديمقراطي الفدرالي الذي يقر بالحكم الذاتي للإقليم ويقيد سلطات الحكومة المركزية دستوريا، الا انه يخضع لصلاحياتها السيادية. ويحصل الاقليم على 17 في المئة من موازنة الدولة العراقية.

وتصاعد التوتر بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان العراق منذ انسحاب القوات الأميركية من العراق في نهاية عام 2011. واحتدم الخلاف بين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ورئيس الإقليم مسعود البرزاني، عندما حشد الجيش العراقي قواته على الحدود بين سورية والعراق، والواقعة ضمن أراضي كردستان العراق وإحدى المناطق المتنازع عليها، الأمر الذي أدى إلى المواجهة بين البيشمركة وقوات الحكومة المركزية، إلا أن النزاع بين الحكومة المركزية والإقليم لا ينحصر في هذه الحادثة، إنما يشمل جوانب رئيسية، وهي: المناطق المتنازع عليها، وموازنة منظومة دفاع الإقليم (البيشمركة) وعقد المناقصات النفطية مع الشركات العالمية دون الرجوع إلى الحكومة المركزية وعلاقة الإقليم مع تركيا.

 فتصريحات المسؤولين والتحليلات السياسية تؤكد وجود تفاهمات بين الجانبين بخصوص دعم تركيا للإقليم سياسيا واستثماريا، والذي يقابل بدعم الاقليم لتركيا من خلال العمل على تسوية الخلاف بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني (التركي) الموجود في الإقليم (والذي كان يخوض مواجهة مسلحة مع الدولة التركية)، في مقابل إجراء إصلاحات سياسية تركية تعترف بالهوية الكردية وحقوق الكرد.

أما بالنسبة لتصاعد التوتر بين الحكومة المركزية والإقليم، فتصريحات القيادات الكردية تؤكد أن الخلاف هو خلاف على قضية إدارة الدولة، وحلها الوحيد هو الالتزام بالدستور. فرئيس الإقليم مسعود البرزاني أكد في تصريحه للوفد الصحافي الكويتي أن "العراق في أزمة حقيقية والسبب التفرد بالسلطة"، مشيرا إلى أن "الكرد يريدون تحقيق استقلال كردستان من دون نقطة دم واحدة، وتحقيق هذا الهدف لن يتم إلا بالحوار".

وقال صحافيون كرد لـ "الجريدة": إن حق تقرير المصير حق طبيعي للشعب الكردي... ومسألة الاستقلال ترتبط بالظروف والمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية.

وفي الفقرات التالية أستعرض آراء وأجوبة ثلاثة من الصحافيين الأكراد حول الحريات والتحديات المحلية:

المعارضة والفساد

فعن المعارضة الحقيقية ومطالبها، يؤكد نقيب صحافيي كردستان العراق أزاد حمدامين أن "المعارضة جزء من النسيج السياسي في الإقليم، وتطور العملية الديمقراطية في المجتمع أوجد معارضة ديمقراطية، لأن المعارضة لا تستطيع أن تنشأ إلا في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الديمقراطية، والمعارضة اليوم تلعب دورا مهما وحيويا في إقليم كردستان ضمن المبادئ السلمية لتداول السلطة، والاعتراف بحقوق الناخبين، لأن الذين جاءوا إلى السلطة جاءوا عن طريق صناديق الاقتراع وليس بوسائل أخرى".

وعما في الإقليم من فساد وحجمه الفعلي، يقول حمدامين إن "الفساد موجود في الإقليم، كما هو موجود في أي في دولة ديمقراطية، وأرى أن لدى السلطة توجها حقيقيا لمعالجته، وهذا مطلب من مطالب المعارضة أيضا، وقد اتخذ رئيس الاقليم سلسلة من الإجراءات لمعالجة الفساد".

ومن جانبه، يرى سالار تاوكوزي الأستاذ بكلية الآداب بجامعة صلاح الدين أن "هناك معارضة حقيقية في الإقليم، وأن التيار المعارض يعيش حاليا في صراع حاد مع التيار المؤيد للسلطة على جميع الصعد، مبيناً أن المعارضة الكردية تتكون من ثلاثة أحزاب رئيسية هي: حركة التغيير، والاتحاد الإسلامي الكردستاني والجماعة الإسلامية.

ولفت تاوكوزي إلى أن المعارضة في الإقليم تطالب بمحاربة الفساد في المقام الأول وتبادل السلطة والشفافية في صرف ميزانية الإقليم أو المالية العامة، وتوزيع ثروات البلد على المواطنين دون تمييز بينهم، وكذلك تطالب بالحريات الصحافية والسياسية للمواطن الكردي بدون قيد أو شرط، وعدم استخدام قوات البيشمركة والشرطة لترجيح كفة ميزان الحراك السياسي لمصلحة أحزاب السلطة.

ومن جهته، أوضح نائب نقيب صحافيي كردستان العراق شوان الداودي أن هناك معارضة حقيقية وقوية تشكل أكثر من ثلث مقاعد البرلمان الكردستاني. وأهم مطالبها الاصلاحات السياسية والادارية الجذرية، وإرجاع مسودة قانون دستور الإقليم الى البرلمان لتعديلها قبل الاستفتاء عليها شعبيا، بما يضمن جعل إدارة ونظام الحكم في الاقليم برلمانيا وليس رئاسيا.

وقال الداودي عن الفساد إنه "موجود، ولكن ليس بالمستوى المنتشر في أغلب مناطق العراق الأخرى، والأهم هو اعتراف السلطات بوجود هذا الفساد، وإعطاء الصحافة الحرية في الكشف عنه حيثما وجد"، لافتاً إلى أن "هناك توجهات للعمل على جعل نظام إدارات الإقليم مؤسساتيا لمنع ظاهرة الفساد والقضاء على حاضنتها".

المادة 140 والمناطق المتنازع عليها

رغم مرور نحو 10 سنوات على وضع المادة 140 من الدستور العراقي (بخصوص تسوية قضية المناطق المتنازع عليها) فإنها لم تنجز بعد. وبشأن الوعود التي لم يتم الوفاء بها، وإلى أين تسير هذه القضية؟ والحل المقبول من كل الأطراف، يقول حمدامين إن "المادة 140 من الدستور العراقي تتعلق بالمناطق المتنازع عليها، أي المناطق الكردستانية بالأصل والمتنازع عليها نتيجة تغيير البنية الديموغرافية لتلك المناطق، وذلك ضمن عملية التعريب التي مورست من قبل الأنظمة المتوالية في السلطة العراقية أي المركز".

 وبيَّن أن "تلك المادة لم تطبق مطلقا ولم يتم تنفيذها باعتبارها التزاما قانونيا ودستوريا على عاتق الحكومة العراقية خصوصا حكومة المالكي"، مضيفاً: "الحل هو تطبيق وتنفيذ الاستحقاق القانوني والالتزام الدستوري، بدءاً بإجراء استفتاء في تلك المناطق، ومن ثم تقرير المصير بذلك من قبل السكان الذين هم من الكرد والتركمان والعرب".

أما تاوكوزي فيرى أن "السبب الرئيس في عدم إنجاز المادة 140 من الدستور العراقي يكمن في أن المادة خرجت عن إطارها القانوني ودخلت في إطار سياسي، وتستخدم من قبل الحكومة المركزية لإثارة غضب الكرد والضغط على الإقليم في المعادلات السياسية"، موضحاً أنه "كان من المفروض حسب نص المادة أن تعمل السلطة التنفيذية في العراق على تطبيع الأوضاع، وتقوم بإحصاء سكاني في مدينة كركوك وغيرها من المناطق المتنازع عليها، ومن ثم تجري استفتاء في المناطق المذكورة لتحديد إرادة مواطنيها في مدة أقصاها 31 ديسمبر 2007، غير أن السلطة التنفيذية أو الحكومة المركزية لم تف بهذه الوعود، بل كان هناك من الساسة من أعلنوا موت المادة".

كما يرى الداودي "أن المادة 140 هي التي دفعت الكرد إلى المشاركة في العملية السياسية، لضمان حل سلمي وديمقراطي للمناطق المتنازع عليها وإعادة الحق إلى أصحابه، فهذه المناطق مورست عليها أبشع سياسات التهجير والتبعيث والتعريب ضد الكرد والتركمان"، مضيفاً أن "الموضوع لا يتعلق بوعود، بل إن الدستور يكفل تطبيق هذه المادة بثلاث مراحل (التطبيع، الإحصاء، الاستفتاء) ولكن بعد عشر سنوات لم يتم تطبيق قانون التطبيع نتيجة مماطلة الحكومة المركزية".

التوتر بين الإقليم والحكومة المركزية

وعن أسباب التوتر وأزمة الثقة بين الإقليم والحكومة المركزية، وتداعيات ذلك، يقول حمدامين إن "هناك توتراً بين الحكومة المركزية من جهة مع الإقليم والشعب العراقي بكل أطيافه وألوانه وقومياته من جهة أخرى، لأن الحكومة العراقية لا تسير وفق آليات ديمقراطية بل تعمل بوصاية دول أجنبية، وبرأيي فإنه لا توجد لدى حكومة المالكي رغبة حقيقية في معالجة المشاكل لبناء التآخي السلمي والأهلي بين أبناء الشعب العراقي وتحقيق المواطنة الحقيقية، بل أصبحت الحكومة حكومة طيف سياسي ومذهبي معين، وفق مصالح وأجندات دولة معينة".

أما تاوكوزي فيضيف أن "لأزمة الثقة بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية بعدا تاريخيا قبل كل شيء، بمعنى أن لإقليم كردستان والكردستانيين تجارب مرة مع الحكومات العراقية المتعاقبة على مر التاريخ، فنحن ككرد شاركنا أكثر من مرة في تشكيل الجيش العراقي، وآوينا المعارضة العراقية والشخصيات السياسية المنتمية إلى كل الأطياف العراقية غير الكردية. وهم حينما كانوا في كردستان وعدونا بمساعدتنا لتحقيق آمالنا وأمنياتنا في العراق، ولكن مع الأسف الشديد حين سقطت الحكومات واعتلوا المناصب السياسية والإدارية لم يفوا بوعودهم، بل عارضوا حقوق الشعب الكردي معارضة شديدة، وفي ذلك لم يختلفوا عن سابقيهم".

ويزيد: "سبب آخر من أسباب توتر وأزمة الثقة بين الإقليم والحكومة المركزية امتلاك حكومة إقليم كردستان أسلحة وجيشا متكاملا لا يخضع لأوامر القياديين في الحكومة العراقية، ويرفض تنفيذ مخططاتها وأوامرها، إضافة إلى ذلك فإن عدم التزام الحكومة العراقية باتفاقية أربيل ومواد الدستور كاملة وخرقها للدستور بين الفينة والأخرى، واستخراج النفط في الإقليم وتعاقد حكومة إقليم كردستان مع شركات النفط أمور زادت الطين بلة، وكذلك تتصور الحكومة العراقية أن إقليم كردستان لا يتعامل كإقليم داخل دولة، وإنما يتعامل كدولة داخل دولة أخرى، وذلك يعود إلى أن حكومة اقليم كردستان ترفض الخضوع لأوامر الحكومة العراقية التي كانت دوما موضع شك"، مبيناً أن الأسباب المذكورة شاركت في خلق أزمات سياسية وإدارية ومالية بين الإقليم والحكومة المركزية، ما نتج عنه تحشيد قوات البيشمركة الكردية والجيش العراقي في المناطق الحدودية والمناطق المتنازع عليها إلى حد كاد يصل إلى الاصطدام بين الطرفين.

أما الداودي فيختصر المشكلة بقوله إن "عدم الثقة بين الإقليم والمركز في هذا الأمر يتعلق بتضارب المصالح، وفي قسم منه يتعلق بأجندات إقليمية ودولية".

الرغبة في الاستقلال

وهل لنا أن نتوقع استقلال الإقليم في المدى القريب أو البعيد، أجاب حمدامين بأن الاستقلال وتشكيل الدولة القومية "حق طبيعي للشعب الكردي في كردستان العراق وفق مبدأ حق تقرير المصير المقر دوليا، فالقيادة السياسية الكردية بعد التغيير في الدولة عام 2003 وبناء دولة العراق الاتحادية الجديدة، أي الفدرالية، عملت بكل إمكاناتها لوحدة الدولة العراقية على أساس الاتحاد الاختياري وتحقيق المواطنة الحقيقية".

واستدرك بأن "الحل الوحيد والحقيقي هو بناء دولة كردية على أرض كردستان بكل أراضيه داخل الإقليم وكذلك المناطق الكردستانية المتنازع عليها، علما بأن الدولة العراقية في العشرينيات أنشئت كمولود غير طبيعي وفق معاهدات دولية على حساب مصلحة الشعب الكردي وعلى حساب أرض كردستان".

أما تاوكوزي فهو لا يشك في أن "استقلال كردستان عن العراق وسورية وتركيا وإيران، ومن ثم تشكيل دولة كردية حلم كل إنسان كردي، لا حلم الشعراء كما قيل، وإنما هو حلم واقعي لابد أن يتحقق، ولكنه يحتاج إلى الوقت"، معتبراً أن "الأوضاع الحالية والتطورات السياسية في العراق ومنطقة الشرق الأوسط لصالح استقلالية كردستان، غير أن عجين هذا الاستقلال لم يختمر بعد".

ويضيف أن "الأخبار التي نسمعها حول استقلالية كردستان في ظل التطورات والتغيرات السياسية في المنطقة تبشر بالخير، وتزيد من تفاؤلنا بتحقيق أمنية الاستقلال التي قدمنا من أجلها تضحيات لا تعد ولا تحصى، وأتصور أن استقلال كردستان بات قريبا إذا أحسن السياسيون الكرد استغلال التغيرات السياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط".

كما يعتقد الداودي أن "الاستقلال هدف مشروع للشعب الكردي باعتباره شعبا عريقا ويعيش على أرضه، وتعرض لصنوف القهر التي وصلت إلى التطهير العرقي من قبل الدول التي توزعوا عليها، وان مسألة الاستقلال ترتبط بالظروف والمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية"، موضحاً أن "النزعة الشوفينية للدول التي يتوزع عليها الكرد هي العامل الأساسي أمام عدم اعترافها للحق الكردي بكيان مستقل".