بعد 60 عاماً من إطاحة حكومته التي انتزعت الحق الدستوري من شاه إيران في حكم البلاد، كشفت وثيقة رسمية رفعت عنها السرية وكالة الاستخبارات الأميركية أنّ الوكالة كانت ضالعة في الانقلاب الذي أطاح برئيس الوزراء الإيراني الأسبق، محمد مصدق، العام 1953.

Ad

ورغم أنها المرة الأولى التي يتم فيها الاعتراف رسميًا بضلوع واشنطن في الانقلاب، إلا أن ذلك كان معروفًا على صعيد دولي منذ عقود، حيث كل المعلومات كانت تشير إلى تورط الاستخبارات الأميركية (لسي آي ايه) والبريطانية MI6  التي خلعته في عملية مشتركة سميت بعملية (أجاكس).

وعام 2000، أشارت وزيرة الخارجية الأميركية الأسبق مادلين أولبرايت صراحة إلى تدخل بلادها.

ونشر معهد أبحاث أرشيف الأمن القومي المستقل الوثيقة يوم الاثنين، مشيرًا إلى أنّ رفع السرية عنها يعدّ على الأرجح الاعتراف الرسمي الأول من قبل وكالة الاستخبارات بالضلوع في الانقلاب.

ورفعت السرية عن الوثيقة عام 2011، ونشرها المعهد بعد أن حصل على إجازة النشر ضمن قانون حرية المعلومات.

وأبرز فقرة تضمنتها الوثيقة هي التالية: "إن الانقلاب العسكري الذي أطاح مصدق وحكومة الجبهة الوطنية التي كان يقودها، جرى تنفيذه تحت إدارة وكالة الاستخبارات الأميركية في تحرك يتماشى والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، وتمت متابعته والمصادقة عليه من قبل أعلى المستويات داخل الحكومة."

انقلاب مرداد

وكان الانقلاب على مصدق، وهو ما يسمى بالفارسية بـ (انقلاب 28 مرداد) يوم التاسع عشر من أغسطس عام 1953، بعد أن احتدم الصراع بين الشاه محمد رضا بهلوي ومصدق، فهرب الشاه إلى إيطاليا عبر العراق.

وقبل أن يغادر وقّع الشاه على قرارين: الأول يعزل مصدق والثاني يعيّن الجنرال فضل الله زاهدي محله حيث أمر زاهدي في 29 أغسطس 1953 بقصف منزل مصدق وسط مدينة طهران.

كما قام كرميت روزڤلت ضابط الاستخبارات الأميركي والقائد الفعلي للانقلاب الذي أطلقت المخابرات المركزية الأميركية عليه اسماً سرياً هو العملية أجاكس، بإخراج "تظاهرات معادية" لمصدق في وسائل الإعلام الإيرانية والدولية.

وأوعز روزفلت إلى كبير "زعران" طهران وقتذاك شعبان جعفري بالسيطرة على الشارع، وإطلاق الهتافات الرخيصة التي تحط من هيبة الدكتور مصدق؛ بالتوازي مع اغتيال القيادات التاريخية للجبهة الوطنية التي شكلها مثل الدكتور حسين فاطمي الذي اغتيل بالشارع في رائعة النهار.

وبعد إطاحة حكومته، حوكم مصدق أمام محكمة صورية استفاض بعدها محاميه جليل بزرجمهر في كشف أنها لم تكن تتمتع بالحد الأدنى من شروط الحيادية. وحَكَمَ نظام الشاه على الدكتور مصدق بالإعدام، ثم خفف الحكم لاحقاً إلى سجن انفرادي لثلاث سنوات، ومن ثم إقامة جبرية لمدى الحياة في قرية أحمد أباد، الواقعة في شمالي إيران ليترك الدكتور مصدق نهبًا لذكرياته.

برنامج مصدق

ويشار إلى أن الفكرة الرئيسية لبرنامج مصدق السياسي كانت أن يستفيد الإيرانيون من عوائد نفطهم ولذلك قام بتأميم شركة النفط الأنكلو إيرانية شركة بريتيش پتروليوم الشهيرة حالياً، فقامت إنكلترا بقيادة حصار دولي على النفط الإيراني بدعوى أن إيران انتهكت الحقوق القانونية للشركة التي تملك لندن الشطر الأعظم من أسهمها.

وساهم هذا الحصار في تردي مستويات المعيشة للإيرانيين، وشكل المدخل الذي عاد منه الشاه بعد الانقلاب على مصدق ليتربع على عرش الطاووس مجدداً بالدعم الأميركي والإنكليزي.

وكان أحد أبرز رموز المؤسسة الدينية الإيرانية وهو آية الله كاشاني انضم إلى حركة مصدق الوطنية، فأفتى بأن "كل من يعارض تأميم النفط الإيراني هو عدو للإسلام".

وبالمقابل، أفتت مجموعة من رجال الدين الإيرانيين قبيل الانقلاب بأن "مصدق معاد للإسلام والشريعة"، بسبب سياسات الإصلاح الزراعي التي طبقها ولتحالفه مع كتل اليسار والليبراليين، وهكذا انسحب آية الله كاشاني من التحالف مع مصدق فاتحاً الطريق أمام خصوم الزعيم في الداخل والخارج للنيل منه.

وكان كاشاني قد رشح نفسه رئيسًا للمجلس النيابي، واتهم كتلة مصدق بأنها تقف ضد توليه المنصب، في حين اتهمه أنصار مصدق بتهمة "بيع القضية الوطنية" لمصلحة الشاه. وبعد نجاح الانقلاب كان محمود ابن آية الله أبي القاسم كاشاني، ثاني الخطباء في الراديو الإيراني لتأييد ومباركة الانقلاب على مصدق.

أصول بختيارية

كان محمد مصدق المولود في محلة سنگلج في طهران يوم 16 يونيو 1882 ينتمي إلى عائلة مرموقة من أصول بختيارية، فوالده ميرزا هداية الله خان عمل جابيًا للضرائب في مقاطعة خراسان في عهد القاجار لثلاثين سنة، وأمه شاهزادي مليكة تاج خانوم فهي حفيدة شاه قاجار فتح علي شاه.

توفي والده سنة 1892 فتولى عمه منصب جابي الضرائب لمحافظة خراسان فاستحق لقب مصدق السلطاني من ناصر الدين شاه، وقد حمل محمد مصدق نفس اللقب واستمر معروفًا به حتى بعد إلغاء الألقاب لفترة طويلة.

وفي سنة 1901 تزوج مصدق من زهرة خانوم (1879–1965) وهي حفيدة ناصر الدين شاه من أمها، وانجب منها خمسة أطفال، ولدان هما أحمد وغلام حسين وثلاث بنات هنّ: منصورة وضياء أشرف وخديجة.

وكان محمد مصدق يحمل البكالوريوس في الفنون ثم الماجستير في القانون الدولي من معهد الدراسات السياسية في باريس قبل أن ينال الدكتوراه في القانون من جامعة نيوشاتيل في سويسرا، وكان قبل ذلك درس أيضا في جامعة طهران في بداية الحرب العالمية الأولى قبل أن يدخل حياة السياسة.

منتخب ديموقراطياً

وكان مصدق المنتخب ديموقراطياً رئيساً للحكومة  مابين العامين 1951 و1953 توفي يوم 5 مارس 1967 وعمل في المحاماة وعضوية البرلمان.

ويشار ختاماً، إلى أنه خلال رئاسة مصدق للحكومة، أدخلت إدارته إصلاحات اجتماعية وسياسية واسعة مثل الضمان الاجتماعي وتنظيم الإيجارات واستصلاح الأراضي، ولكن تأميم صناعة النفط الإيرانية ظلت هي النقطة الأبرز في سياسة حكومته حيث كان البريطانيون يسيطرون عليها منذ 1913 من خلال شركة النفط الأنجلو-إيرانية (APOC / AIOC) وسميت لاحقًا بإسم شركة النفط البريطانية أو BP. إلا أن ذلك سبب في أزاحته في إنقلاب عليه يوم 19 أغسطس 1953 بعد إجراء استفتاء مزور لحل البرلمان.