"الإسلام هو الحل"... هو الشعار الذي ظل مرتبطا بتنظيم "الإخوان" على مدى أكثر من ثمانية عقود منذ إطلاقه في الواقع السياسي والاجتماعي المصري، ومن ثم في عشرات الدول التي نشط فيها التنظيم في المنطقة العربية والعالم.

Ad

يحمل الشعار الكثير من الحسم بالنسبة إلى هؤلاء الذين آمنوا به، واعتقدوا أن فيه الخلاص من الأزمات والمشكلات التي تعانيها مجتمعاتهم، بل اعتبروا أنه الطريق إلى إعادة دولة الخلافة إلى الحياة، ومن ثم تحقيق "أستاذية" العالم، حسب التعبير الذي استخدمه الشيخ المؤسس حسن البنا.

خاض التنظيم المنازلات الانتخابية التي انخرط فيها، منذ ثمانينيات القرن الماضي، تحت هذا الشعار، وتمترس خلفه في الأوقات الطويلة التي تم حظره فيها ومطاردة أعضائه.

وعندما اندلعت ثورة 25 يناير في مصر، وأنشأ التنظيم حزب "الحرية والعدالة"، في محاولة لخوض المنازلات الانتخابية التي أعقبتها، اضطر إلى تغيير شعاره ليصبح "نحمل الخير لمصر"، وهو شعار يبدو أكثر مدنية وتجاوباً مع سعي التنظيم للإيحاء بإمكانية تحوله حزباً سياسياً يمكن أن ينافس على السلطة، بعيداً عن المشكلات القانونية المترتبة على كونه امتداداً لحركة دينية وتعبيراً عنها.

لكن التنظيم بالطبع لم يتوقف لحظة واحدة عن استخدام العاطفة الدينية لدى المصريين في تعزيز وجوده وفرصه في الفوز في المنازلات الانتخابية، وبالتالي فقد صوّر لأعضائه أن أي مكسب انتخابي يحققه إنما يعد "انتصاراً خالصاً للإسلام".

ومن ذلك أن أطلق أعضاء التنظيم وحلفاؤه على النجاح في إقرار التعديلات الدستورية، في الاستفتاء الذي أُجري في مارس من عام 2011، اسم "غزوة الصناديق".

وظل التنظيم وحلفاؤه حريصين على استخدام الشعارات الدينية بكثافة طيلة الفترة التي حكم فيها المجلس العسكري في أعقاب إطاحة مبارك، وهي الفترة التي رُفعت فيها أعلام "القاعدة" السوداء، وسُميت "المليونيات" المتعاقبة خلالها بأسماء ذات طابع ديني من نوع "مليونية الشريعة"، وترددت هتافات من نوع "فليعد للدين مجده، أو ترق منا الدماء".

وحين تحدث الرئيس المعزول محمد مرسي إلى الصحافيين في أعقاب إدلائه بصوته في الجولة الانتخابية الرئاسية الثانية، التي أوصلته إلى سدة الرئاسة، حرص على القول إنه "سيطبق الشريعة" بمجرد انتخابه.

لكن قطاعاً من المصريين البسطاء الذين انخدعوا بهذه الشعارات والتصريحات، وانتخبوا مرسي رئيساً، ومكنوا حزبه من السيطرة على مجلسي البرلمان قبل حلهما، سرعان ما أدركوا أن المسألة لم تكن سوى لعبة انتخابية، تم استغلال عواطفهم الدينية فيها لتحقيق المكسب السياسي.

ربما شعر هؤلاء البسطاء بالخديعة عندما وجدوا أن الرئيس لم يفعل شيئاً مما وعد به حيال تطبيق الشريعة، وربما شعروا أيضاً بالإحباط عندما وجدوا أن الرئيس يحاول الاقتراض من صندوق النقد الدولي بفائدة، أو يقبل وديعة قطرية بعائد مرتفع، أو يرسل إلى نظيره الإسرائيلي شمعون بيريز رسالة ودية يخاطبه فيها بـ"الصديق الوفي" ويتمنى فيها لدولة إسرائيل "الصديقة" الرفاه.

أدرك هؤلاء البسطاء أنهم كانوا ضحية خدعة لم تحول مجتمعهم المأزوم إلى "مدينة متدينة فاضلة"، خصوصاً عندما وجدوا أن "الإخوان" يمارسون الفساد ذاته الذي تميز به عهد مبارك، بل وجدوا أيضاً أن ظواهر مثل التحرش الجنسي والانفلات الأخلاقي تتفاقم، في الوقت الذي أخذت الممارسات الإعلامية تغرق في الحدة والتجاوز، وتقوم حكومة الرئيس برعاية "سياحة الشواطئ ذات الطابع المنفتح"، وتمنح الملاهي الليلية التراخيص لثلاث سنوات بعدما كانت تحصل عليها لمدة سنتين.

لذلك، فقد حرص تنظيم "الإخوان" على رفع شعار "عودة مرسي" عندما تمت إطاحته في أعقاب الهبة الثورية في 30 يونيو الفائت، وبات الحديث عن مرسي بوصفه رئيساً "ملتحياً، يحج ويعتمر، ويصلي في المساجد" هو الرائج على ألسنة مؤيديه.

بعد فترة قليلة من إطاحة مرسي أدرك أنصاره أن الحديث عن عودته لا يعدو كونه "شعاراً تافهاً" لا يمكن أن يُصلّب احتجاجاً أو يقنع الجمهور، الذي عانى كثيراً في ظل حكم فاشل ومرتبك وعاجز، يمثله رئيس اتضح من اللحظات الأولى لتوليه الرئاسة افتقاده أي قدرة أو مهارة على الوفاء باستحقاقات منصبه الرفيع.

لذلك، فقد توارت صورة مرسي سريعاً، ولم يعد الهتاف المطالب بعودته مسموعاً، ولم تعد استعادته مطلباً مركزياً في الحركة الاحتجاجية، التي أعقبت إعلان 3 يوليو الفائت عن خريطة طريق جديدة، يمكن أن تأخذ المصريين إلى دولة مستقرة، عبر إجراءات دستورية وانتخابات عامة نزيهة.

اضطر التنظيم إلى إجراء تغيير جديد على الشعار المركزي الذي يستخدمه في محاولاته لاستعادة الحكم، أو حتى الضغط على الدولة لتخفيف قبضتها على أعضائه، ومحاولة إحياء التنظيم والعودة إلى لعب دور في الحياة السياسية الجديدة.

وتفتق ذهن التنظيم تلك المرة عن حيلة جديدة تتمثل باستخدام المطالبة بما يسمى "عودة الشرعية"، وقد كانت تلك الكلمة بالذات "الشرعية" هي الأيقونة التي تعلق بها مرسي في خطابه الأخير قبل إطاحته، حتى إنه كررها في خطابه هذا أكثر من 80 مرة.

تمسك التنظيم بشعار "الشرعية"، خصوصاً أنه لا يمت بصلة إلى استخدامه الشائن للعواطف الدينية في شعارات مثل "الإسلام هو الحل" أو "تطبيق الشريعة"، ولا يُذكّر الجمهور الغاضب من حكم "الإخوان" بالرئيس الفاشل العاجز الذي تمت إطاحته إثر خروج شعبي مليوني أذهل العالم، والأهم من ذلك أنه يتسق مع اللغة التي يفهمها الغرب الداعم الرئيس للتنظيم في محاولته للهيمنة على مصر وتطبيق رؤيته المشوهة والمشبوهة لها، ومن ثم لبقية دول المنطقة.

لكن التنظيم سرعان ما أدرك أن هذا الشعار بدوره لا يقوى على الصمود، خصوصاً بعدما أثبت المصريون دعمهم الكبير لخريطة طريق المستقبل التي تمخضت عن الهبة الثورية المذهلة في 30 يونيو، وما أعقبها من تأييد جارف للقوات المسلحة والقوى الثورية والوطنية في مجابهة الإرهاب في تظاهرات 3 و26 يوليو.

وبعدما تم فض التجمع غير السلمي في "رابعة العدوية"، وهو الفض الذي ترتب عليه سقوط عدد من القتلى من جراء الاشتباكات التي أشعلها المسلحون المتمترسون في "رابعة" باستهدافهم قوات الأمن وعدم تجاوبهم مع الدعوات والوساطات المتكررة لفض هذا التجمع سلمياً، وجد التنظيم في دماء أنصاره التي أُريقت، بسبب تعنته وانتهازيته، فرصة سانحة لتجديد المظلومية وبلورة شعار جديد يمكن أن يتم الالتفاف حوله.

لكن الشعار جاء هذه المرة من حليف انتهازي أراد أن يستغل الحكم "الإخواني" في مصر لتوسيع هيمنته الإقليمية. فقد أرسل أردوغان شعاراً جديداً لأنصار التنظيم في مصر، وهو الشعار الذي يمثل علامة "رابعة" الذي تجسده الأصابع الأربعة المرفوعة على خلفية صفراء.

يخوض "الإخوان" حرب استنزاف وإنهاك ضد مصر والمصريين اليوم، بما تشمله من عمليات إرهابية حقيرة ضد أفراد الجيش والشرطة في سيناء ومناطق أخرى من البلاد، تحت شعار وافد من إسطنبول، هو شعار "رابعة".

لم يعد "الإخوان" يستخدمون شعار "الإسلام هو الحل"، ولا يهتفون "بالروح بالدم نفديك يا إسلام"، ولا يقولون "فليعد للدين مجده، أو ترق منا الدماء"، ولا يرفعون شعار "نحمل الخير لمصر"، ولا يؤكدون سعيهم إلى "تطبيق الشريعة"، ولا ينادون بعودة مرسي، ولا يتحدثون عن الشرعية... لكنهم فقط يرفعون شعار "رابعة" الذي أتاهم من إسطنبول.

سعى "الإخوان" إلى الاصطدام مع قوى الأمن، وأطلقوا النار من خلف المتاريس على رجال الجيش والشرطة، ليسقط بينهم قتلى، ويستخدمون دماءهم، لإحياء شعار "رابعة" الذي أتاهم من إسطنبول.

يجب أن يقف مؤيدو "الإخوان" لحظة أمام هذا التطور اللافت. يجب أن يسأل هؤلاء أنفسهم: كيف تحول الحلم بـ"أستاذية العالم"، والمطالبة بـ"تطبيق الشريعة"، وتأكيد أن "الإسلام هو الحل"، إلى مجرد بكائية مصطنعة على دماء حرص التنظيم نفسه على إراقتها، ليتاجر بها، تحت شعار أتى من بلاد بعيدة؟

* كاتب مصري