هل ينجح البرادعي في الحفاظ على تماسك مصر؟
يقول البرادعي إن على القائد أن يكون مستعداً لتبديل مواقفه وعقد الصفقات، إذا أراد النجاح، فقد أخبر Foreign Policy قبيل الغوص في السياسة المصرية: «من الضروري قبول الآخر، وإذا رغبت في عقد الصفقات، فعليك أن تقدّم التنازلات وتقرّب وجهات النظر».
ثمة قاعدة واحدة راسخة في مصر بعد سقوط مرسي: لا تثقوا بكل ما تنقله وسائل الإعلام، وماذا عن التقارير التي تؤكد أن المجموعات الإسلامية المتشددة تخلت عن جماعة "الإخوان المسلمين"؟ العكس صحيح. وماذا عن الأخبار أن المرشد العام لجماعة "الإخوان المسلمين"، محمد بديع، قد اعتُقل؟ تبيّن أنها مجرد ادعاءات عندما ظهر في تجمع كبير لـ"الإخوان المسلمين".إليكم الآن خبراً غريباً آخر: يوم السبت الماضي، أفادت وكالة الأنباء الوطنية الرسمية أن قائد المعارضة محمد البرادعي سيؤدي القسم ليتولى منصب رئيس الوزراء الجديد مساء ذلك اليوم. ولكن ما هي إلا بضع ساعات حتى تبدّل القرار، فيما بدأ التحالف السياسي الضعيف الذي يدعم الإطاحة بمحمد مرسي بالتفكك.
تصدعات القوىمن الواضح أن التوصل إلى إجماع في السياسة المصرية مهمة بالغة الصعوبة، فمع ترشيح البرادعي لرئاسة الوزراء، تجلت التصدعات بين القوى السياسية المتنوعة التي توحدت لإسقاط جماعة "الإخوان" المسلمين. ولا شك أن مَن يتولى رئاسة الوزراء في مصر راهناً يواجه مهمة التعاطي مع هذا التحالف بتركيبته الغريبة المعقدة. وسيحتاج بالتأكيد إلى كل مهاراته للحفاظ على وحدته وتحقيق التقدّم السياسي الضروري، الذي قد يبرر اضطرابات الأيام الماضية.ارتبطت عقدة تعيين البرادعي بحزب "النور" السلفي، الذي تخلى عن "الإخوان المسلمين" ودعم خطة الانتقال التي وضعها الجيش. صحيح أن حزب النور واجه المشاكل مع مرسي، إلا أن حركة الإسلاميين المتشددين هذه تكره البرادعي العلماني. فقد أخبر مسؤول في حزب النور صحيفة Wall Street Journal، موضحاً اعتراض الحزب: "تنتقدون الإخوان المسلمين والإسلاميين لأنهم لم يشاركوا الآخرين في اتخاذ القرارات، وها أنتم اليوم تقومون بالأمر عينه. لكن هذا ليس أسلوباً ديمقراطياً بالتأكيد، وليس طريقة مناسبة للتعامل مع بلد مثل مصر".«حزب النور» والبرادعيلا شك أن هذه وجهة نظر سديدة، فإذا سحب حزب "النور" دعمه للعملية الانتقالية هذه، كما يهدد في حال عُيّن البرادعي، تصبح السلطة كاملاً بين أيدي مجموعة صغيرة من السياسيين غير المنتخبين وغير الإسلاميين. وهكذا تتبنى الجبهة السياسية المناهضة لمرسي مقاربة الاستبعاد عينها التي انتقدت أسلافها الإسلاميين على تبنيها. لا يعني ذلك أن كل السلفيين يعارضون البرادعي. يوضح محمد طلبة، مؤسس جماعة "سلفيو كوستا" السلفية المعتدلة: "أعتقد أنه الرجل المناسب في الوقت المناسب. نحتاج إلى سياسي خبير لائق يملك علاقات دولية... كان أحد السياسيين الذين دعوا إلى الثورة. وما عاد بإمكاننا اليوم الاعتماد على التجربة والخطأ".ولكن إذا حظي الحزب السلفي الرئيس بحق تعطيل قرارات أساسية كهذه، فماذا ستتمكن الحكومة الانتقالية من تحقيقه؟ ولن تكون هذه نقطة الخلاف الأخيرة: ففي المحادثات المقبلة التي تهدف إلى تعديل الدستور المصري، سيسعى حزب "النور" بالتأكيد للحفاظ على دور الشريعة الإسلامية أو حتى تقويته. وإذا حاولت الحكومة المصرية الجديدة إرضاء الجميع، تخاطر بإخفاقها في تحقيق أي إنجازات تُذكر.البرادعي و«الإخوان»هذه المعضلة التي يواجهها البرادعي، الذي لا يزال المرشح الأبرز لمنصب رئاسة الوزراء، في حال فاز بهذا المنصب. صحيح أنه يُعتبر الصوت الليبرالي الأكثر صدقاً في المشهد السياسي المصري، إلا أن مواقف البرادعي تبدلت كثيراً منذ دخوله المعترك السياسي. فبعيد عودته عام 2010، تحالف مع "الإخوان المسلمين"، حتى إنه تصادم حينذاك مع أحزاب المعارضة العلمانية. أما اليوم، فيُعدّ عدو الإسلاميين الأول، منتقدًا بشدة طريقة الحكم التي اتبعتها حكومة مرسي في مصر في مقال نشر في مجلة Foreign Policy في عددها Failed States (الدول الفاشلة). عقب سقوط حسني مبارك، ندد البرادعي بالحكومة التي وجهها الجيش واعتبرها "نظاماً فاشياً"، ما دفعه إلى رفض المشاركة فيها بعناد. أما اليوم، عندما بدت رئاسة الوزراء في متناول اليد، فراح يبرر اعتقال الجيش قادة الإخوان المسلمين وإقفال محطات التلفزة الإسلامية، معتبراً ذلك "تدابير احتياطية".تقديم التنازلاتيقول البرادعي من جهته إن على القائد أن يكون مستعداً لتبديل مواقفه وعقد الصفقات، إذا أراد النجاح، فقد أخبر Foreign Policy قبيل الغوص في السياسة المصرية: "من الضروري قبول الآخر. وإذا رغبت في عقد الصفقات، فعليك أن تقدّم التنازلات وتقرّب وجهات النظر، كذلك يجب أن تحدد القاسم المشترك الأهم الذي يجمعك بالطرف الآخر. يمكنك تحقيق هذه الأمور، كما تكتشف، من خلال علم النفس، فهي بالتأكيد ليست أشياء ملموسة. يعتمد كل ذلك على الاحترام والحوار: هذه المهارات التي تحتاج إليها إذا قررت دخول الحياة العامة، سواء كنت مدير شركة كوكا كولا أو رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو حتى رئيس البلاد".لا شك أن قدرة السياسي على التكيّف مع الواقع من دون خسارته سمعته كإنسان ذي مبادئ ميزة مهمة، ولا شك أن رئيس وزراء مصر المقبل، سواء كان البرادعي أو أي شخصية أخرى، سيحتاج إلى كل مهاراته السياسية ليخرج البلاد من الأزمة الكبرى التي بدأت مع سقوط مبارك.* ديفيد كينر | David Kenner