تصر روسيا على أن تقتصر مهمة الخبراء الدوليين للتحقيق في استخدام الأسلحة الكيماوية في ضوء تبادل الاتهامات بين نظام بشار الأسد والمعارضة السورية على منطقة واحدة هي "خان العسل"، بالقرب من مدينة حلب التي تدور فيها معارك ضارية. ويدل هذا الإصرار على أن هذا النظام قد استخدم هذه الأسلحة المحرمة والممنوعة دولياً في أمكنة أخرى، وأنه لايزال يستخدمها في دمشق نفسها، فالمثل يقول: "إن مَنْ بطنه محشوٌّ بالحمص لا يستطيع أن ينام"!

Ad

كما أن هذا الإصرار الروسي يأتي كتأكيد جديد على أن روسيا وإيران هما اللتان تخوضان هذه الحرب المدمرة ضد الشعب السوري على مدى نحو سنتين، ولولاهما لما كان هناك كل هذا الدمار والخراب، وكل هذه الأعداد الفلكية من القتلى والجرحى والمفقودين والمعتقلين، فضلاً عن المهجرين الذين وصلت أعدادهم في الدول المجاورة والبعيدة وداخل سورية نفسها إلى الملايين؛ معظمهم من الأطفال والنساء.

إن هذه الحرب الطاحنة والمتواصلة في سورية على مدى نحو عامين، والتي بات يستخدم فيها سلاح الجو وصواريخ "سكود" ضد المدن والقرى والمناطق السكانية، هي حرب روسية-إيرانية، ولولا هذا التدخل الخارجي لكان "الجيش العربي السوري" قد انهار وشبع انهياراً منذ البدايات، ولعل ما لا يعرفه الذين يرفضون هذه الحقيقة ويصرون على "تغْطية عين الشمس بغربال" أنَّ غالبية ضباط هذا الجيش من الرتب العليا والدنيا قد "انشقَّوا" والتحقوا بالجيش السوري الحر، ولم يبقَ من هؤلاء الضباط إلاّ الغارقون بالطائفية والمذهبية حتى أعناقهم، والذين ينتظرون الفرص السانحة للالتحاق بمن سبقوهم إلى الانشقاق.

وما لا يعرفه المنحازون إلى هذا النظام من الخارج ولأسباب معروفة، وهُم على أي حال أقلية منبوذة، أن الجيش العربي السوري قد ابتلي بعمليات استنزاف وتصفيات بقيت مستمرة على مدى ستين عاماً وأكثر، وعندما بدأ العدوان الإسرائيلي في يونيو عام 1967 كان هناك في السجون السورية أربعمائة من خيرة ضباطه، بعضهم من البعثيين الأردنيين الذين انحازوا إلى القيادة القومية، وكان أمينها العام د. منيف الرزاز رحمه الله، بعد انقلاب الثالث والعشرين من فبراير عام 1966.

لقد بقيت الانقلابات العسكرية، التي تجاوز عددها 12 انقلاباً، بداية بانقلاب حسني الزعيم عام 1949، وانتهاء بانقلاب حافظ الأسد على رفاقه عام 1970، تنخر في عظام هذا الجيش وتحرمه من خيرة ضباطه وخبراتهم العسكرية، وكانت الطامة الكبرى أنه تعرض بعد "الحركة التصحيحية"، التي لم تصحح شيئاً وأوصلت سورية إلى هذه المأساة التي وصلت إليها، عبر عمليات استئصال مذهبي جعلت ضباط الطائفة التي تشكل الأكثرية في هذا البلد مجرد "ديكور" لضبَّاط النظام الطائفي، وليس نظام الطائفة الذين تم تمكينهم من التحكم بمفاصل الوحدات والقطاعات العسكرية الرئيسية، إضافة إلى مفاصل كل الأجهزة الأمنية... كلها دون استثناء.

عندما قام حافظ الأسد بانقلابه عام 1970 كان الجيش العربي السوري قد وصل إلى حالة محزنة من الاستنزاف والإنهاك، ولعل ما زاد "الطين بلة"، كما يقال، أن هذا الجيش "العقائدي" قد تعرض لسلسلة تصفيات متلاحقة استهدفت كل الضباط المؤيدين لصلاح جديد ومجموعته، بمن فيهم من ينتمون إلى الطائفة العلوية التي تعرضت هي نفسها لتصفيات استئصالية بالسجن والاعتقال فترات طويلة والإبعاد، وكل هذا حوَّل الجيش إلى مجرد زمرٍ طائفية لحماية نظام "الحركة التصحيحية"، وجعله يتمزق كل هذا التمزق مع أول هزةٍ فعلية وحقيقية حيث لم يعد قادراً على التصدي للاختراقات التي يقوم بها الجيش السوري الحر حتى في العاصمة دمشق التي وصل القتال فيها حالياً إلى القصر الجمهوري والمطار الدولي وكل المراكز الأمنية والحكومية الرئيسية.