أصواتنا عصافير ملونة،

Ad

تعشق الفضاء كلما اتسع،

ولأن سماءنا رصاصية غالبا، هناك من يمطر أصواتنا بالرصاص!

أصواتنا عصافير ملونة تعشق الغناء،

وهناك من يكره العصافير، ويحرّم الغناء،

بل إن هناك من اشترى فتوى شرعية بقتل العصافير!!!

أصواتنا عصافير تهوى الصخب المزهر،

وهناك من يجد راحة في السكون، ويلقى تماهياً لروحه مع الجفاف،

كيف يتخطى العصفور الموت فجأة، ويتحاشى الرصاص؟!

من أين له القدرة على فتح عينيه في سحب الدخان التي تطلقها القنابل المسيلة للدموع؟!

هل تساعد العصفور أجنحته على الفرار من الهراوات الغليظة حال انهمارها فوق ريشه؟!

هل تساعده براءة قلبه على النجاة من إثم أفعالهم؟!

وإلى متى سيظل قلب هذا العصفور بريئاً، ومرتدياً سوء ظنه المزمن بأن ما يمارسه مجرد لعب بريء؟!

وإلى متى سيظل يردد بسبب سوء ظنه هذا بدهشة بالغة تقارب السذاجة عبارة محمود درويش:

«إذا كنا نلعب فشروط اللعب لسان بلسان، لا طائرة ضد طائر»؟!!!!!

براءة هذا العصفور لم تستطع -برغم كل المآسي، والأحزان، والدماء التي شرب منها التراب حتى ثمل- أن تفهم أن الآخر لا يلعب، ولا يحب اللعب، بل إنه يخشى اللعب كثيراً،

حتى عندما يتظاهر الآخر (وهو ضد كل أنواع التظاهر) بقبوله اللعب، فإنه يمارس ذلك بخشونة مؤلمة قد تودي بحياة من يلعب معه!

هذه العصافير بريئة لا تدرك ذلك،

كما أن قلبها عامر بالنقاء والحب،

فهي لا تحب الخراب، لأنها ليست من فئة البوم،

ولا تحب الدماء والجثث، فهي ليست من فئة الغربان،

ولا تصدح في الظلام فهي أيضاً ليست من فئة الخفافيش،

في حين أنها ترقب بعين العجب والدهشة، أن هذه الفئات من الطيور تُعامل بمنتهى الكرم، ويُسبغ عليها كل آيات التبجيل والاحترام،

هذه الفئات الأخرى من الطيور والتي أقامت الأعراس على موائد الدم الحرام، تُدعى لموائد الحوار، وتُفتح لها الخزائن، وأبواب الرضا لعلها ترضى!!

هذه الفئة من الجوارح التي وقفت مهللة على جثة طفل حاملا حقيبته المدرسية، أو أم كانت تعد وجبة عشاء لأطفالها، أو رجل كان في طريقه المعتاد الذي يقطعه يوميا من أجل لقمة العيش، هذه الطيور التي وقفت على تلك الجثث منتشية بمنظر الدماء حولها، إثر فتوى مفخخة، يتم استجداؤها ومحاولة احتوائها بكل مغريات الحياة الطيبة!!

هناك من يشتري خاطر أنواع محددة من الطيور، البوم والغربان والخفافيش على سبيل المثال، أما الطيور الأخرى التي تحب الغناء، والشجر الأخضر، والصباحات، وجداول الماء فلا رحمة لها، ومصيرها الحتمي القفص أو الرصاص!

مسكينة هذه العصافير... حتى الأطفال، والبائسين التي تصحو هذه العصافير من أجلهم، لتزيّن لهم الحياة، وتريهم جمالها، تم تحريضهم ضدها بتهمة تعكير صفو الأمن الوطني والاجتماعي، وإرباك حركة المرور، وحجب نور الشمس بأجنحتها حين تحلّق في السماء، فقام الأطفال برمي تلك العصافير بالحجارة، أما العجائز والشيوخ فقاموا برميها بالدعوات السوداء وبئس المصير!

إلا أن هذه العصافير، مازالت تغني...

ومازالت تبشّر بحياة الرغد، ونسائم الحرية،

ومازالت تُلقي على السامعين صباحات يانعة،

متجاوزة ضيق الأفق، في السماء وبعض العقول!