مشهد العالم الإسلامي من إندونيسيا حتى المغرب يدمي القلب ويسوده اللونان الأحمر والأسود الناتجان عن دماء البشر وعجين "السي فور" والبارود، فأفغانستان في لعبة موت دائمة، واليمن يتمزق بالقتل والتفجير، وسورية في حصاد مستمر للقتلى، والعراق يمارس هوايته الدائمة في تجميع الأشلاء البشرية، أما مصر فتُستنزَف في مشروع أصولي مدمر، وليبيا على وشك أن تكون محطات متعددة لتنظيم "القاعدة"، بينما إيران يبحث حرسها الثوري عن حقوق المستضعفين في مدن الشام المنكوبة بالقتل والتدمير، ويُعدّ لرفاهية الإيرانيين بتخصيب اليورانيوم لتفرض طهران نفسها قوة مهيمنة على جيرانها كما تفعل حالياً في العراق.
وضع الأمة الإسلامية منذ ثنائية ما أطلق عليه عصر الصحوة الإسلامية المدعوم خليجياً والثورة الإسلامية الإيرانية، وهو يتردى ويتهاوى، ومشاريعنا الكبرى تنحصر ما بين الشادور والحجاب لتغطية "اللحم" الإسلامي المستباح تمزيقه وقتله بالفتاوى والتحريض المذهبي المنتشر، إذ حقق مشروع الحجاب نجاحاً باهراً وتجاوزناه إلى مشروع النقاب! ولدينا بنك إسلامي وجامعة إسلامية ومايوه إسلامي. كل الأمم سوّت مشاكلها وخاضت حروبها وانتصرت، أو هي الآن في حالة هدنة، ووجدت صيغها للتعامل مع الحداثة إلا نحن في معركة لا يوجد فيها مشروع معرفي إنتاجي يخدم الإنسانية، بل مشاريعنا هي الاستشهاديون والأحزمة الناسفة وحماية حياض أمهات المؤمنين أو مقام السيدة زينب من بعضنا البعض، بينما كانت مبارزات اليابانيين والصينيين وغيرهم مع العالم بالعمل والإنتاج والفكر دون أن يجعلوا دياناتهم في الواجهة، إلا نحن، حتى ارتد ذلك علينا بسبب التعبئة العقائدية، فما يحدث في العراق هو حرب طائفية استخدمها الإيرانيون بذكاء لتجنيد عرب العراق الشيعة لخدمة المشروع القومي الإيراني تحت عناوين دينية، وفي سورية ولبنان مشروع مماثل لتحالف أقليات مذهبية ضد أغلبية مذهبية أخرى لسكان الشام، والثورة السورية تدمرها تنظيمات القاعدة ودولة العراق الإسلامية المسنودة استخباراتياً من طهران وبغداد ودمشق النظام الأسدي. والمحزن أن أهم المعارك التي نخوضها كمسلمين في عصر "مجتمع المعلومات" الذي طوى عصر الثورة الصناعية، هي معاركنا في لندن وباريس وبروكسل للسماح للمرأة المسلمة بارتداء النقاب لحماية اللحم المسلم في أوروبا، بينما يحرق ويعجن اللحم المسلم في العراق واليمن ودمشق بعناوين طائفية!، والغريب أن نكون سعداء بأن الدين الإسلامي هو أكثر الأديان نمواً في أوروبا، وهي حقيقة سببها الهجرة والهروب المستمر للمسلمين من دولهم الفاشلة المأزومة والمتخلفة والفقيرة إلى أرض التقدم والحريات والرفاهية، وهم ينقلون معهم أزماتهم الفكرية إلى مجتمعاتهم الجديدة التي يتواجهون معها في معارك عبثية ستؤدي إلى نبذ عالمي لوجودنا بينهم. حالنا صعب ونحن دائماً في وجهة نظر علماء الدين المتعاظم حضورهم وعددهم بيننا - وطبيعة الشخصية المسلمة المتعصبة لفكرها - نملك الحقيقة الكاملة الهادية المهتدية، بينما بقية البشرية في حالة ضلال كامل، العالم في ضفة ونحن في ضفة أخرى، نخلق الأعذار لفشلنا وتخلفنا بأن إسرائيل وأميركا والإمبريالية تحاربنا، بينما القنبلة الذرية لم تَعُق اليابانيين ولا الكوارث التي مرت على الصينيين والكوريين وغيرهم عن النهوض والمواجهة بسبل مبتكرة أجبرت العالم على احترامهم وحفظ حقوقهم، ولا نعترف بأن سبب أزمتنا أن هناك فكراً وتعاطياً متعلقاً بتعاملنا مع عقيدتنا هو ما يسبب لنا ما نعيشه من ضعف وهزائم متكررة منذ مئات السنين، وهو ما اكتشفه مصطفى أتاتورك عند انهيار الإمبراطورية العثمانية وعالجه على الفور وكانت نتائجه ما نراه في تركيا اليوم من تقدم ونهضة، وهي العلمانية التي يرفض رجب طيب أردوغان، زعيم أكبر حزب تركي ذي مرجعية دينية إسلامية، التخلي عنها، وهو ما يجعل تركيا وماليزيا استثناء من الأوضاع المزرية اقتصادياً وإنسانياً لبقية الدول الإسلامية، وباستثناء أيضاً دول الخليج التي تعيش أنماطاً اقتصادية منتعشة بسبب عامل اقتصادي طبيعي مرحلي لا دخل لها في تصنيعه أو ابتكاره.
أخر كلام
مشروعنا... «لحم بعجين»!
22-09-2013