أهلاً رمضان
أهلا برمضان شهر المحبة والتواصل والرحمة والإيمان، وهذا لا يعني أن بقية شهور السنة تخلو مما سبق ذكره فالأخلاق والمبادئ والإيمان لا تتشكل بحسب شهور السنة، لكن سبحان الله شهر رمضان له شخصيته الفارضة حضورها وطقوسها على كل الدول العربية والإسلامية بشكل واضح مفضل ومميز ومحبوب من الجميع، فأهلا به ومباركة أيامه ولياليه على أمتنا العربية والإسلامية۔رمضان هذا العام غير عن العام الماضي الذي عشنا فيه واكتشفنا مساوئ ثورات الربيع العربي ومؤامرات الفوضى الخلاقة المندسة فيها، ويجيئنا رمضان هذا العام وقبل أيام قليلة من دخوله بفرج عظيم حين ظننا إنها ضاقت واستحكمت حلقاتها وإنها لن تفرج قط، وكنت من الذين أصابهم إحباط كبير وإحساس بالضياع وبالخراب الذي تم والذي سيعقبه، ومن أسبوعين فقط سألتني صديقة كاتبة من تونس عن الحل في وسط هذا الدمار الكبير الذي لا يبدو له سقف واضح، وأعقبت كلامها بشرح حالة الاكتئاب التي قد تعاودها، وبصراحة لم أجد بصيصا من الأمل أمنحه لها حتى أخفف عنها ما تعانيه من صعوبة الوضع الحالي في تونس۔
وفجأة تنبع المعجزة من مصر العظيمة وشعبها الذي خرج بالملايين ليتمرد ويرفض حاكما لم يحقق، ولم يأت بما حلم به شعبه، وكان أداة بيد المتآمرين عليه، وعلى بيع مصر وتقسيمها ونهبها وتحقيق ما تحلم به إسرائيل۔أقسم بالله إن الفرحة والسعادة التي اجتاحتني واجتاحت الملايين من الشعوب العربية، ليست فقط لتحرر مصر من قبضة الخونة ومن يدعمهم ويقف وراءهم ويساندهم بكل قوة، بل أيضا لأن مصر العظيمة حطمت التابو الذي لا يقترب منه أحد، ولا من عظمة جبروته وتلاعبه بتخطيط مصائر الأمة العربية وبمقدراتها وبأقدار شعوب كثيرة خضعت وآمنت واستسلمت تماما لقدرها المنسوج والمخطط خارج عنها۔جاءت مصر اليوم لتكشف هشاشة هذه المؤامرة وعرت فسادها وكشفتها بشكل واضح للعيان، شعب مصر أزال وهم وأسطورة الخداع العظيمة المسماة بإخوان المسلمين الذين تعاونوا على تمزيق وحدة الوطن وكل ما حدث فيه من سطوة الإيذاء والعنف الدموي الذي تعاملوا به مع كل من اختلفوا معه۔ الثورة في بداياتها قد تواجه الكثير من الصعوبات والمؤامرات، لكن أعظم ما فيها إنها كسرت صنم ماما أميركا المخططة والراعية لأقدار بلاد تلعب بخيوطها كيفما تريده مصالحها ومصالح إسرائيل، وضربت مثلا للعالم كله إننا نستطيع، نعم، نستطيع وقادرين على تحقيق إرادة وعزة شعوبنا إذا وقفنا كلنا وقلنا لا كما فعل شعب مصر العظيم، وأظن أن شعوب كثيرة ستتبع المثال الذي قدمه الشعب المصري لدول تبحث عن خارطة طريق لتحقيق وفرض سيادة إرادتها على أقدارها ومقدراتها۔وأجمل ما في الثورة المصرية التصحيحية هو هذا التلاحم بين مختلف طبقات الشعب، رجالا ونساء وأسرا بكامل أفرادها استقرت في الميدان تحت أشعة شمس الصيف القائظ وأتون جحيمها، ولم يعودوا إلا بتحقق نصرهم الكبير۔والميزة الأخرى لهذه الثورة هو هذا الدور الكبير الذي قام به المثقفون الكتاب والفنانون والإعلاميون والصحافيون، فكلهم شاركوا بصنع هذه الثورة ودعمها كل من ميدانه، صحيح أن فضل رسمها وتخطيطها قام به شباب حركة تمرد الذين أثبتوا دور الشباب في قيادة أمته، لكن من دون الدعم الجبار الذي قدمه الجيش المصري بقيادة الرجل الشجاع عبد الفتاح السيسي، الآتي من روح وفكر جمال عبد الناصر، والذي لولاه لما تحقق هذا النصر العظيم۔والأمر اللافت للنظر هو الدور الذي قام به الإعلاميون في القنوات التلفزيونية، بجد كانوا أبطالا محفزين ودافعين لإلهاب الهمم وتقوية الصمود، بصراحة كانوا وقود وبنزين الثورة، ما شاء الله عليهم، هل يوجد إعلام مخلص ودافع إلى هذا الحد؟لميس الحديدي وهي فعلا امرأة بإرادة حديدية، ومنى الشاذلي ومحمود سعد وعمرو أديب وخيري رمضان ووائل الإبراشي وتامر أمين وغيرهم، ولا ننسي دور مقدم برنامج" البرنامج" باسم يوسف الذي تابع برنامجه الملايين من الشعب المصري والعربي، والذي حقق انتشارا واسعا۔تحية لكل هؤلاء ولكل من شارك في تحقق ونجاح وتصحيح مسار هذه الثورة النبيلة، القائدة لمستقبل أمة عربية، مصر هي المثل والمثال الذي سيتبع لاحقا في مفاتيح لثورات تصحيحية قادمة۔