ارتحل الإمام زيد من الحجاز إلى اليمن لقيادة ثورة ضد هشام بن عبدالملك، وكان الأئمة من آل البيت يعتبرون جميع خلفاء بني أمية مغتصبين للسلطة والحكم ولم يعترفوا بواحد منهم، عدا الحسن بن علي بن أبي طالب الذي تنازل لمعاوية بن أبي سفيان لزمن محدد بدءاً بعام (40) للهجرة وسمي بعام الجماعة.

Ad

وفي تقدير الإمام زيد أن الإمام الحقيقي هو من يعلن الثورة ويقاتل، إنه الإمام المحارب الذي لا يكتم إمامته، وقد قاتلت إلى جانبه العشائر العربية في شمال اليمن حيث الطبيعة الجغرافية ملائمة لأعمال الثورة.

وإذ لم يحقق الإمام زيد ما أراده... وانتصر الأمويون في المعركة، فإن تلك العشائر العربية اليمنية في الشمال قد اتبعت المذهب الزيدي الذي يعد من حركات وفروع التشيع، ولكن الأمر الاستثنائي في ذلك بأن تلك العشائر العربية اليمانية حافظت على عروبتها وتمسكت بها.

ولم تنحرف بها يمنة أو يسرة رغم تشيعها الذي كان من الممكن أن يدفعها للتبعية الدينية لطرف غير عربي، كما تفعل مجموعات أخرى بالمنطقة قدمت الانتماء المذهبي على الانتماء القومي وخلعت رداء العروبة.

وقد ابتلي "زيود" اليمن عبر التاريخ بأئمة أقاموا حكماً خلطوا فيه بين السياسة والدين لأغراضهم الخاصة وتثبيت حكمهم، وفرضوا على الناس حكماً رجعياً تسلطياً معادياً للتعددية وللتقدم. وقد اضطر الشعب اليمني إلى الثورة ضدهم للخلاص منهم وتأسيس دولة ينعم فيها المواطن بحقوقه.

ومن حسن الطالع أن مجمع الفقه الإسلامي اعترف بالمذهب الزيدي مذهباً إسلامياً صحيحاً إلى جانب المذاهب الإسلامية الأخرى.

والمدهش أنه عندما قامت حرب العراق وإيران أرسل اليمن الشمالي فرقة عسكرية للدفاع عن عروبة الوطن العربي، لكن لما اتضح لأهل اليمن أن صدام حسين غزا الكويت ظلماً وعدواناً، نفضوا أيديهم منه، وإن ظل رئيسهم السابق على موقفه الخاطئ المناقض لأبسط مبادئ حسن الجوار العربي.

ويتضح الموقف "العروبي" لأهل اليمن حالياً من محاولة إيران التسلل إلى اليمن والاصطياد في الماء العكر ومقاومة ذلك رئيساً وشعباً، ولم يجدوا من يثيرون ضد استقرار اليمن إلا أمثال "الحوثي" من الطامحين للسلطة.

إن تمسك عرب اليمن بعروبتهم- قيادةً وشعباً- من الظواهر الجديرة بالتسجيل، وهذا ما حدا بدول مجلس التعاون إلى الانفتاح عليه والنظر في "عضويته".

إن المملكة العربية السعودية، بحكم مجاورتها لليمن، قد بذلت جهوداً جبارة للحفاظ على أمنه واستقراره والأمانة العامة لمجلس التعاون تتابع تطوراته.

وكان بعض الزعماء العرب "المنتهون" ممن كانوا يريدون إثارة المشاكل في وجه السعودية يحاولون زرع الاضطراب في منطقة الحدود، لكنهم باؤوا بالفشل، حيث إن التصميم السعودي والخليجي على ضمان أمنه واستقراره مسألة لا تقبل النقاش.

وأهل اليمن قوم معتدلون... متسامحون... يقبلون التعددية ويدعمون "الدولة المدنية" حسب المفهوم الإسلامي، وقد سارت المسيرة اليمنية نحو هذه الأهداف منذ زمن بعيد.

أما أهل الجنوب والسواحل من "الشوافع"، فإنهم أهل انفتاح على الأفكار الجديدة وأنماط الحياة المختلفة، ولهم في ذلك تجارب سجلها المؤرخون.

إن اليمن يمثل دعماً بشرياً لمجلس التعاون الخليجي ولا بد من العمل على كسبه وضمه، وقد أثبت أهل اليمن كفاءتهم وقدرتهم في أقطار أجنبية عدة، ولابد أن ينالوا هذا الكرم من جيرانهم ليتحولوا إلى كتلة نامية، فاليمن لا يفتقر إلى المياه والزراعة لديه متوافرة. كما أنه بلد نفطي، ونادراً ما يجمع بلد عربي بين النفط والماء (الذي من المحتمل أن يكون نادراً... وشديد الندرة في أقطار عربية أخرى).

ولدى دول مجلس التعاون من الفوائض والثروات ما يمكنها من الصرف على هذا القطر المجاور، وحبذا لو تركت دول المجلس التنافس فيما بينها لأسباب سياسية، فالسياسة لا تدخل في شيء إلا أفسدته، والمكسب الكبير أمامها وهو أن نجعل من اليمن بلداً مستقراً ومزدهراً.

ولدينا "النموذج الكويتي" في وضع برامج عملية لتنمية اليمن وغيره من أقطار الخليج العربي كفتح الجامعات وبناء السدود ومساكن الطلاب والعمال وإنشاء المكتبات العامة.

ولكن ضم اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي يواجه بمعارضة من داخل أقطار المجلس، والمعارضون يخشون أن تنتقل مشاكل اليمن الداخلية إلى أقطارهم. غير أن هذه الخشية يمكن أن "تؤجل" انتقال تلك المشاكل لا غير لأن بقاءها دون حل يمكن أن ينتقل بها في وقت لاحق سواء قبلنا عضوية اليمن أو لم نقبل بها.

وهناك مشكلة أمنية في اليمن تتطلب حلاً قبل انضمامه، لأن التنمية وعدم الاستقرار لا يمكن أن يسيرا جنباً إلى جنب.

إننا في كل صباح تقريباً نسمع عن حادث أمني في صنعاء أو غيرها من مدن اليمن تورطت فيها عناصر من "القاعدة"، وضم اليمن إلى مجلس التعاون مع بقاء تلك العناصر فيه "تسهيل" لدخولها بقية أقطار المجلس... وذلك ما ينبغي أن تحذره تلك الدول وتحول دون وقوعه.

* أكاديمي ومفكر من البحرين