الحوار السياسي... من جديد
من الخطأ الاندفاع نحو أي دعوة إلى الحوار السياسي ما لم تبنَ هذه الدعوة على أسس صحيحة وقواعد وضمانات متوافق عليها، فالشكل هنا يجب ألا يكون على حساب المضمون، وإلا فإن ما يسمى حواراً سياسياً لن يكون سوى كلامٍ فارغٍ لا معنى له ولا فائدة على المستوى الوطني.
سبق أن تطرقنا في هذه الزاوية إلى موضوع الحوار السياسي من ناحية أهميته كوسيلة فاعلة في حل النزاعات السياسية في وقت محدد وظرف معين، ووفق أسس سليمة وقواعد محددة وشروط وضمانات متوافق عليها، وإلا تحول الحوار إلى شيء آخر تماماً يشبه "سوالف الدواوين" وليس حواراً سياسياً بالمعنى السياسي الصحيح للمصطلح.وحيث إننا نواجه أزمة سياسية محتدمة منذ مدة طويلة، فقد دعت بعض الشخصيات السياسية وبعض الأطراف شبه الرسمية خلال الأسبوعين الماضيين إلى الحوار السياسي باعتباره "المخرج الوحيد" من المأزق السياسي الذي يعانيه البلد حالياً، لكن أياً منها لم يتطرق إلى أسس الحوار الصحيح وضماناته، بل تم طرحه بعمومية مخلة تفقده معناه الحقيقي وقيمته السياسية، إذ إن مصطلح "الحوار السياسي" بحد ذاته لا يعني شيئاً، وقد يؤدي عدم وضوحه منذ البداية إلى نتائج مغايرة لما يريده بعض من يطرحه بحماس هذه الأيام.
لهذا فإنه من الأهمية بمكان تحديد أسس الحوار السياسي ومتطلباته، وإلا أصبح عرضة للابتذال السياسي وإساءة الاستخدام، وهو الأمر الذي تلجأ إليه بعض الأنظمة السياسية الفاشلة كلما أحست بالعزلة سواء المحلية أو الدولية بقصد ضمان استمرار احتكارها للسلطة وتمرير مشاريعها السياسية، فكم من نظام استبدادي في العالم، كالنظام السوري مثالاً لا حصراً، سبق له أن أعلن بداية "حوار وطني"! ضمن شروطه وتحت رعايته لكي تكون النتيجة النهائية في مصلحته! فالدعوة إلى ما يسمى الحوار الوطني في هذه الحالة ليست سوى "تكتيكٍ" سياسيٍّ لكسب الوقت وتضليل الناس وخلط الأوراق، إذ يظن النظام أن الدعوة من الممكن أن توفر له غطاءً شعبياً وسياسياً من أجل الإبقاء على الوضع القائم.لهذا، فإنه من الخطأ الاندفاع نحو أي دعوة إلى الحوار السياسي ما لم تبنَ هذه الدعوة على أسس صحيحة وقواعد وضمانات متوافق عليها، فالشكل هنا يجب ألا يكون على حساب المضمون، وإلا فإن ما يسمى حواراً سياسياً لن يكون سوى كلامٍ فارغٍ لا معنى له ولا فائدة على المستوى الوطني. وبالنسبة إلى وضعنا المحلي فإن الحوار السياسي الذي نحتاجه في هذه المرحلة يتطلب:1- الالتزام أولاً بالأسس التي يقوم عليها نظام الحكم الديمقراطي التي وضع الدستور إطارها العام، وهذا يتطلب تصحيح ما ترتب على التعدي على أسس الديمقراطية، حيث إن ذلك يعتبر خروجاً عن حالة التوافق الوطني العام اللازمة لأي حوار سياسي ناجح.2- إطلاق سراح السجناء السياسيين.3- توقف الملاحقات السياسية وتوجيه التهم المعلبة لشباب "المعارضة" وشخصياتها.4- الدعوة بعد ذلك إلى حوار وطني عام لا يستثني أحداً ويقوم على أسس وقواعد وضوابط واضحة ومحددة بدقة، ويكون موضوعه الرئيس هو كيفية تطوير نظامنا الدستوري من أجل الوصول تدريجياً إلى النظام البرلماني الكامل.