يعتبر المؤلف أن تأريخ الأدب هو تأريخ النسق، فالأدب في تحولاته يمثل أحد وجوه تغير النسق الاجتماعي والثقافي العام، ومن الأولى دراسة ذلك من خلال التركيز على تعدد الأنساق المؤثرة في التغيير عبر نظرة كلية إطارية عموماً، والحفر في النصوص الأدبية والثقافية والعلمية والميدياوية الحديثة خصوصاً،  لمتابعة أخاديد النسق وما تتركه رياح الأنساق المتعددة من آثار تعرية مختلفة. لهذه الأسباب كان هذا الكتاب، المختلف في نتائجه عن النظرة المدرسية لتأريخ الأدب السعودي التي توافقت معها كل البحوث، وفي تناوله الخطابات الدينية والسياسية والاجتماعية الراهنة، باعتماده مناهج تحليل الخطاب، تحليل الخطاب النقدي، مناهج الحِجاج التداولية.

Ad

تساؤلات

يقارب كتاب بن عبد  الكريم تساؤلات من نمط: لماذا كانت أقوى معارضة للحداثة الشعرية في الحجاز؟ هل كان الحجاز متقدماً عن بقية أجزاء المملكة السعودية في الوعي وفي السبق للحداثة؟ لماذا اعتبرت الحركة الأدبية في الحجاز ممتدة من العهد الهاشمي إلى السعودي على مستويات: الفكر والوعي وثيمات الأدب وأساليبه، من دون دراسة القطيعة بين العهدين؟ لماذا تم تجاهل موقف الأدباء من هذا الانتقال المفاجئ؟ ولماذا لم تجرِ دراسات تلمس الفرق بين العهد الهاشمي والعهد السعودي على مستويات: الفكر والوعي وثيمات الأدب وأساليبه؟ لماذا يعد كتاب {خواطر مصرحة} لمحمد حسن عواد، بعد عام واحد من ضم الحجاز إلى الدولة السعودية، جزءاً من منظومة الأدب السعودي من دون التطرق إلى علاقته بالفترة السابقة؟ هل كانت  ثمة حركة نقدية حقيقية أثر فيها ظهور كتاب عبدالله عبد الجبار {التيارات الأدبية في قلب الجزيرة العربية}؟ لماذا لم يظهر شعراء وأدباء وكتّاب عظام في المملكة العربية السعودية حتى قبيل الطفرة الروائية؟ هل التحولات الروائية التي حدثت في الفكر وفي الأدب طبيعية حصلت  في مجتمع طبيعي؟ وهل ثمة ما يعيق تقدم الفكر والفلسفة والأدب والوعي عموماً؟

عن هذه التساؤلات يحاول المؤلف البحث عن إجابات من خلال صفحات هذا الكتاب ببحوثه المتنوعة ومقالات ارتبطت بفكرة النموذج المصنوع (نسق الأنساق)، فمنظومة حمد الجاسر العلمية كانت إحدى محاولات هزّ ذلك النموذج. وحسب رأي الكاتب، شكل عمل حمد الجاسر في منظومته العلمية محاولة للانطلاق من الأصل لا الظل، ذلك أن الأدب الحجازي كان مجرد ظل لأدب مصر والمهجر.

أراد الجاسر أن يقيم صلة بين التأريخي والثقافي والفضائي والكتب الأمهات والحاضر الجديد، فكان بذلك أحد مسارات عدة للانتقال السوي إلى الثقافة الحديثة. ويمكن القول إن ذلك الاتصال بالأصل الأول هو ما فعله شعراء الحداثة، لكن بأسلوبهم الخاص. وظلت محاولاتهم تنجح بقدر انطلاقهم من ذلك الأصل وبعدهم عن أن يكونوا ظلاً لغيرهم. فكان البحث الأول الذي اختاره بن عبد الكريم حول حمد الجاسر عبارة عن مقالة كتبها المؤلف معتمداً على منهج تحليل الخطاب.

انتحار مفكرين

أما المحاولة الثانية التي اختارها بن عبد الكريم لهذا النموذج فكانت للأديب الوحيد الذي انتحر إبان حركة الحداثة والصحوة في الثمانينات، وهو عبدالله سعيد الغامدي. لقد انتحر مفكرون كثر اختياراً، بالصمت كعبدالله عبد الجبار وحمزة شحاتة، أو بالمنفى كالقصيمي والمنيف والفلالي، إلا أن عبدالله سعيد، عبقرية اقتُلعت في أوج إزهارها، كان أكبر من زمنه، لذا كانت هذه النهاية المتوقعة، وقد غطى على هذا الأديب تجاهل تام لأدبه لأسباب عدة.

يلي ذلك بحث عن اصطدام الحداثة الشعرية بالنموذج، وثانٍ حول شعر التثبيتي بوصفه أحد أهم الأسماء في الحداثة الشعرية، وثالث حول الظاهرة {الغذامية} كنسق ثقافي أثر في حركة الثقافة عموماً وفي الحركة النقدية خصوصاً.

لسبر أبعاد الأنساق المتعددة التي تؤثر في الفكر والأدب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أورد الكتاب دراستين ومقالاً، تمحورت الدراسة الأولى حول كتاب {مثقفون وأمير} لمحمد سعيد طيب، اعتمد فيها بن عبد الكريم على نظرية الفاعل الاجتماعي في تحليل الخطاب النقدي، وهي إحدى النظريات الحديثة التي قلما استثمرت في الدراسات العربية، وركزت الثانية على {حجاج التحولات من الفكر الإرهابي الإقصائي إلى الفكر التسامحي الليبرال}. أما المقال فيتناول مفهوم المثقف في بيانات المثقفين التي ظهرت للرد على بيانات المثقفين الأميركيين.

ثقافة جديدة قديمة

يرى بن عبد الكريم، أن الثقافة الجديدة القديمة تتقدم ببطء إلا أنها تسير نحو هدفها بإصرار. إنها ثقافة التسامح، ثقافة الاختلاف، ثقافة الابداع، ثقافة الحرية، ثقافة الحقوق، ثقافة الحوار، ثقافة اختراق المستقبل. هذه الثقافة التي لا يمكن لخاتم الأديان السماوية إلا أن يكون حاملاً لها مبشراً بها، ولأجل ذلك يحمل  معتنقوها، ورثة الأنبياء جميعاً، السلام إلى العالم والمساواة والعدل والخير. ولأجل ذلك يجب أن يكون مهبط الوحي، حيث ولد سيد الأنبياء، سيد الأوطان، ولا بد من أن يكون أمل البشرية في المجالات والاحتمالات كافة.

في الختام  يقول المؤلف: {حاول هذا الكتاب أن يدرس الفعل الثقافي منذ ثلاثينات القرن الماضي حتى ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وأن يقدم اجتهاده الذي يمكن أن يضاف إلى اجتهادات سابقة واجتهادات لاحقة}.

كذلك يشير الكاتب إلى أن التغييرات الثقافية التي تحدث في الفترة الأخيرة مبهجة، وأن النموذج المصنوع يتهاوى، فانطلقت ثقافة طبيعية جديدة تتحمل القول المختلف وتحاول تلمس الطريق إلى الحرية، وهذا ما يحاول  هذا الكتاب وكثير من الكتب والروايات والآداب والعلوم فعله، ولن تكون أي خطوة مهمة غير ذلك.